وقتنا الحالي هو وقت محير نوعا ما، وهذه حقيقة لا نستطيع إنكارها، والحجر الصحي هو تجربة غير مألوفة وجديدة على العالم أجمع حتى إن بعضهم شبهها بالحرب الباردة. فمعايشة الحقيقة والاعتراف بها ومواجهتها شجاعة، لأن حربنا هذه حرب عجيبة لا ترى فيها خصما، فهو صغير لا يُرى ولا تستطيع مواجهته ولا وأين منشأه لتحتمي، ولا مطالبه للتتفاوض معه. وأجواؤنا باردة لدرجة أننا لا نعلم درجة برودتها، ولا أي ملابس مناسبة لنرتدي. هل يناسبها ملابس الشتاء؟ أم ملابس الصيف، أم نكون الوسط ونختار ملابس الخريف؟. هل لهذا الجو نشرة جوية حقيقية نقيس بها درجة الحرارة؟ أم فقط فرضيات واجتهادات.
الأجواء باردة لدرجة سيطرتها على المشاعر والعقول. فهناك من يفتي ويتكلم في غير اختصاصه وعلمه بكل ثقة واستخفاف بالعقول علنا. ترامب يصرح بشرب المعقمات، ومرة يوصي بالأشعة فوق البنفسجية، ومرة يعلن قرب انتهاء هذه الحرب الباردة. ومن الطرف الآخر نجد بل غيتيس خبير برمجة كمبيوتر يشدد ويصرح ويلزم بضرورة اللقاح وكأنه عالم ومخترع دواء. ومن جهة أخرى نجد من يروج لفكرة ونظرية المؤامرة، وقصص وقضايا وتصريحات يوتيوب، ويتدخل الفيس بوك واليوتيوب لمسح مقاطع وحظر أشخاص ومتحدثين.
وحين نلتفت للواقع، نجد أن هناك تباعدا اجتماعيا، ومنصات تعليم نشطة، وأخرى مغيبة. وأيضا نجد أن هناك اهتماما وتطويرا ومناداة باستغلال الأوقات بكل ما هو مفيد. وبعضهم يشعر أنه تائه بين سماع الأخبار والإحساس بالأجواء الباردة، وبين استعراض بعضهم للإنجازات في منصات التواصل الاجتماعي.
في ظل هذه الأجواء الباردة التي نعيشها، أود أن أنبه فقط إلى أنه يكفي أن تكون بخير، ولا تنسى أنه يعتبر إنجازا كبيرا كونك حافظت على نفسك بأن تكون بخير فهو من أهم الإنجازات. ليس بالضرورة أن تكون مثل ذالك الذي قال: إنه فعل وأنجز، وكتب ودوّن، وليس بالضرورة أن ترهق صحتك في لوم نفسك على تأخير أو عدم إضافة جديد مثلهم.
نحن نشجع من يستطيع استثمار الوقت فيما هو مفيد. ولكن من جهة أخرى لابد من الاعتراف وتقبل أن هناك فعلا مشاعر برود وجوا غير واضح ولا معروف، وتوجد تقلبات مناخية صعبة لم نعش تجربتها من قبل أحد منا. جو بارد مع ثلوج في وضح النهار وفي منتصف فصل الصيف بثلوج لا تذيبها شمس الصيف وبرد لا يدفئه معطف أو مدفأة. مناخ جديد مازلنا نحاول اكتشافه، وهو جديد على العالم أجمع، لذلك انتبه أن المفيد لك ليس هو المفيد لغيرك، والمفيد للآخر ليس بالضرورة ان يكون مفيداً لك. فلا تضغط على نفسك وتفعل مثل ما يفعل الآخرون فتشعر أنك تائه وضائع وأنك الوحيد الذي لم يستغل وقته بالشكل المطلوب. فمفهوم استغلال الوقت والإنجاز عندك مختلف عن غيرك. رفقا بنفسك فالجميع يعيش مثلك وبنفس برودة هذا الجو.
ان تكوني أما وتعتنين بأطفالك وتهتمين بسلامة عائلتك هو إنجاز واستغلال للوقت. أن تكون أبا وتهتم بأجواء البيت لتكون مستقرة هو إنجاز. أن تكون فرداً في أسرتك وتساهم في أن تكون عائلتك بخير هو إنجاز. والأهم أن تكون بخير هو أهم إنجاز في الفترة الحالية، ومن المهم أن تتقنه في هذه الظروف والأجواء المستحدثة.فعندما تحافظ على درجة حرراتك لتكون طبيعية وتحافظ على أن تكون مشاعرك على مستوى عال هو إنجاز كبير تستحق أن تحتفل به وأن تدونه مع قائمة إنجازاتك إن لم تكن أهمها في سنة كورنا والحجر الصحي.
وأختم بكلمات من أغنية جوليا بطرس «بكرا بيخلص هالكابوس وبدل الشمس بتضوي شموس على أرض الوطن المحروس رح نتلاقى يوما ما» وينتهي التباعد الاجتماعي ونعيش الحياة الملونة وتعود الأجواء ودرجات الحرارة طبيعية بفرح وسرور.
** **
محاضر بجامعة الأميرة نورة بنت عبدالرحمن - طالبة دكتوراه في التأهيل الطبي - المملكة المتحدة