حينما يتحدث المسؤول الأول في وزارة الصحة بكل شفافية وحرقة عن الوضع الحالي لتداعيات فيروس كورونا، فهو لم يتحدث من فراغ بل من أرض الواقع، ليس للتهويل، ولا للتخويف، تحدث بحرقة وألم ويخشى من تفاقم المشكلة الصحية وزيادة عدد المصابين ولربما فقدان السيطرة كما حدث في بعض البلدان الأوروبية، وعلى الرغم من التوجيه والتحذير فما زالت الجهات المعنية ترصد تهاون البعض وهم القلة القليلة غير المدركة لعواقب الأمور ونتائجها جراء الاستهتار، واللا مبالاة تارة أخرى وكأنهم في جهل مطبق، فليسوا بمعصومين، ومحاطين بسياج ربانية بعدم إصابتهم بالفيروسات، ولربما سلموا هم ونقلوا العدوى لأهلهم وأصحابهم من حيث لا يعلمون.
يقول وزير الصحة الدكتور توفيق الربيعة: «للأسف البعض من أفراد المجتمع لم يطبق شعار «كلنا مسؤول»، ولم يأخذوا التعامل مع خطورة الوباء بالجدية الكافية، كما أنهم لم يلتزموا بما يصدر من تحذيرات تشدد على خطورة المخالطة والتجمعات، وكلكم شاهدتم مثل تلك الممارسات والسلوكيات في الأيام الماضية من البعض، التي تدل على أننا بحاجة لاتخاذ إجراءات أخرى تحمينا وتحمي المجتمع من هؤلاء، حيث نقف اليوم أمام لحظة حاسمة في رفع استشعارنا كمجتمع للمسؤولية، والمساهمة جميعاً بكل عزم وإصرار في إيقاف انتشار هذه الجائحة، وإلا فإن التوقعات في قادم الأيام لا تشير إلى أن أرقام الإصابات في تناقص بل في تزايد مستمر».
نعم، نحتاج تطبيق «كلنا مسؤول» قولاً وعملاً، والوقاية خير من ألف علاج.
وديننا الحنيف ربط الأسباب بمسبباتها، وناط النتائج بمقدماتها، ولا يختلف إثنان على أن الصحة والعافية من النعم العظيمة، ولا أدل على ذلك من قول النبي صلى الله عليه وسلم لذلكم الأعرابي الذي جاءه ليعلم ما يسأل الله عنه بعد الصلوات الخمس (سل الله العافية)، وقوله في حديث آخر: (نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ)، فعلى المفتقر إلى الصحة أن يسعى وراءها بكل ما أوتي، وعلى المتمتع بها أن يحتفظ بها كل الاحتفاظ، وأن يباعد نفسه عن الأمراض لقول الله تعالى: {وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} البقرة (195).
ولا تعارض فيما ذكر مع ما جاء في الحديث الآخر: (لا عدوى ولا طيرة ولا هامة ولا صفر)؛ فإن أصح ما قيل فيه ما حمله العلماء والمخرجون لأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم من أن هذا الحديث إنما سبق للرد على أهل الجاهلية الذين كانوا يعتقدون أن الأسباب تؤثر بطبيعتها في المسببات وأن الله لا يؤثر فيها، فرد عليهم النبي صلى الله عليه وسلم بأن لا عدوى مؤثرة بطبيعتها. وإنما قد يجعل الله بمشيئته وإرادته مخالطة صحيح الجسم لمن به مرض معد سبباً لإصابته بهذا المرض، ولهذا كان الأمر باجتناب الأصحاء لأصحاب الأمراض الوبائية إنما هو للمحافظة على الصحيح من ذوي العاهات، فلا تنافي بين هذا الحديث وما تقدم؛ لأن هذا إنما كان للرد على عقيدتهم من أن التأثير للطبيعة، وباطل ما كانوا يعتقدون.
وحكومة خادم الحرمين الشريفين بمختلف قطاعاتها المعنية في مواجهة كورونا لم تقصر في التوعية والتوجيه المستمر عبر وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، والتوكيد بضرورة الوقاية وأخذ الاحتياطات اللازمة لعدم الإصابة بالفيروس، وأننا «كلنا مسؤول» عن مواجهة ومحاربة هذا البلاء الخطير الذي عم العالم بأسره، قولاً وعملاً.
** **
alomai1420@yahoo.com