محمد آل الشيخ
كنت متوقعًا ومعي كثيرون أن كورونا ما إن تنتهي كجائحة ستعقبها أزمة اقتصادية، ليس على مستوى المملكة ولا على مستوى المنطقة العربية فحسب وإنما على مستوى العالم بأكمله؛ لذلك فإن لقاء وزير المالية السعودي في قناة العربية لم يفاجئني، وإن كان لي تحفظ على توقيته، لأن بالإمكان تأجيله حتى تنجلي الغمة ويخرج الناس من الحجر الصحي، وإلا فإنه كان متوقعاً، فأزمة كورونا كانت كبيرة، وزادها تدهور أسعار النفط، التي كرَّست المشكلة وعمقتها أكثر.
عرفت المملكة أزمات اقتصادية وتدنياً في التدفقات المالية أكثر من مرة، وفي كل مرة تخرج منها أقوى وأشد صلابة ومكانة مما كانت قبلها، ولعل آخرها الأزمة المالية في نهاية التسعينيات من القرن الماضي، والذي دعا حينها الملك عبدالله -رحمه الله- إلى شد الحزام، ثم استعادت المملكة أوضاعها المالية وخرجنا من تلك الأزمات أقوى مما كنا قبل عقد التسعينيات بأكمله. وأنا على يقين أننا سنخرج من هذه الأزمة في غضون سنتين أو ثلاث أقوى مما نحن فيه الآن، ولاسيما أن أزمة نهاية التسعينيات لم نكن حينها نملك من الأصول والأرصدة المالية ما نملكه الآن، أضف إلى ذلك أن دور التمويل العالمية على استعداد لإقراضنا وبنسب جيدة، الأمر الذي يجعل الخيارات التي لدينا للتعامل مع الأزمة لا تتوفر لكثير من دول العالم التي تعاني من تراجع قدراتها المالية. وللتذكير فقط فإن الشح في التدفقات المالية في نهاية التسعينيات قد بلغ أرقاماً كبيرة، بل لن أبالغ إذا قلت فلكية، وما هي إلا سنوات حتى عادت قوة المملكة إلى أوضاعها، وأصبحت تلك الديون مجرد صفحة طويت من تاريخ المملكة الاقتصادي.
أسعار البترول الآن منخفضة للغاية، وكانت مبادرة أميرنا الأمل محمد بن سلمان 2030 تقوم كمرتكز أساسي على تنويع مصادر قاعدة الدخل، بالشكل الذي لا يجعل المملكة معتمدة على مصدر البترول فقط، كما أشار إلى ذلك حينها في أحد لقاءاته، غير أن وباء كورونا وما ترتب عليه من تبعات وأخذ العالم كله على حين غرة، ومثل هذا الحدث المفاجئ لا بد وأن يؤثّر سلباً على خطة الأمير بتأخيرها لسنوات، نأمل ألا تكون طويلة.
وغني عن القول إن كل أزمة ليست كلها سلبيات، فهناك دائما وأبدًا إيجابيات، من شأنها تقويم الأخطاء والمسارات مستقبلاً، وبقدر ما أنا على يقين لا يخالجه شك أننا قادرون على تجاوز هذه الأزمة وتبعاتها، إلا أنني أرجو أن نستفيد كل الاستفادة من تصحيح بعض الأخطاء وتقويم بعض المسارات التي أفرزتها هذه الأزمة، وأهمها تخليص البلاد من العمالة السائبة، التي كان لها آثار سلبية ساعدت بشكل جوهري على تفشي هذا الفيروس، وإعادة تنظيم أماكن سكناهم، بطريقة منظمة وفي بيئات سليمة وآمنة.
نعم، نحن في حاجة لشد الحزام، والتعامل مع هذه الأزمة بحلول قد تكون مؤلمة. لكن الأمر الأكيد أنها ستصبح يوماً ما مجرد تاريخ.
إلى اللقاء