د. عبدالرحمن الشلاش
أسابيع وربما أشهر قليلة وتزول الغمة ويرفع البلاء -بإذن الله- ويعود وقع الحياة إلى طبيعته ويجتمع الناس ويذهبون إلى أعمالهم، والطلبة إلى مدارسهم, وتكتظ الشوارع بالعابرين بعد أن تركوها للحيوانات الأليفة، فالقطط أمضت زمناً تجوب الشوارع الخالية من البشر داخل المدن والقرى الكبيرة، وفي القرى البعيدة والصحاري خرجت حيوانات الحياة الفطرية لتتنفَّس الصعداء بعد سنوات من مطاردة البشر لها. والهواء تحوَّل إلى نقائه بعد أن لوَّثته عوادم السيارات ودخان المصانع والطائرات في الجو.
في هذا الزمن، حيث فيروس كورونا كوفيد 19 كان للحظر المنزلي أثر بالغ على الحياة بكل مكوناتها على الاقتصاد والبيئة. في الوقت الذي توقفت فيه حركة العمل وتأثرت المؤسسات والشركات كانت هناك عملية عكسية تماماً وهي عملية ادخار لكثير من المصروفات، حيث توقف الناس عن السفر والرحلات والمناسبات، وتراجعت كثيرًا حركة التنقّل في المدينة وتوقفت بين المدن فتوفرت المحروقات. لم تعد البيوت مراكز لاستقبال الضيوف لذلك أصبحت المصروفات على قد الحال وأي شيء يكفي أهل البيت والذي تفرَّغ أهله لأمور هجروها منذ زمن طويل في زحمة الحياة ودوامتها ومشاغلها، فأصبحت الأسرة أكثر تقارباً وملأت الفعاليات المتنوِّعة جنبات البيوت فهل سيستفيد الناس من نمط الحياة الجديد الذي حلَّ مع كورونا بكل أبعاده؟
بعد رحيل زمن كورونا سيخرج الناس من منازلهم مودعين أيام الحظر ولياليه، فهل سيعتبرون هذه السنة 2020 سنة للنسيان أم ستكون سنة يؤرَّخ فيها وتبقى عبر الأجيال القادمة وفي ذاكرة هذا الجيل وأبنائهم وأبناء أبنائهم؟
المؤكد أن ما حدث لم يكن أساساً في دائرة التصديق لأي إنسان على وجه الأرض. فيروس يكتسح وملايين من البشر على مستوى العالم يصابون بالمرض ووفيات لعدد لا يُستهان به في جميع الدول، واقتصاديات تنهار وأخرى ترتفع وحركة نشطة غير مسبوقة في مجال البحوث للتوصل لعلاج. أمور لم تكن في الحسبان لذلك من الصعب جدًا نسيان هذه السنة 2020، سنة كورونا، وكل ما جرى فيها لذلك ستكون مثلها مثل تلك السنين التي يؤرَّخ فيها الناس. في نجد سنوات مثل سنة ساحوق أو سنة الجوع سنة انتشر فيها مرض معد يصيب المعدة ولا يشبع الإنسان مهما أكل من الطعام كانت هذه السنة عام 1328 هجرية، وسنة البرد 1345 هجرية حدث فيها برد عظيم استمر 40 يومًا، وسنة الجرب عام1340 هجرية وغيرها من السنوات التي لا يُنسى ما حدث فيها.
سيأتي زمن سيؤرِّخ الناس فيها بسنة كورونا. تذكرون سنة كورونا لأن ما حدث فيها لا يمكن نسيانه مهما تقادمت الأزمنة.