د. عبدالرحمن الشلاش
يتردد السؤال دائماً هل المعرفة تعني الوعي أم أن هناك فروقاً بينهما، وما علاقة الوعي بتطبيق النظام؟
المعرفة أو المعلومات تمثِّل أدنى مستويات العلم لذلك من النادر أن تجد من لا يعرف شيئاً حتى ولو كان لديه من المعرفة القليل. ارتباط المعرفة يكون في أدنى مستويات التفكير, وتبقى هذه المعرفة مخزنة في الذاكرة حتى تستدعيها مراكز التفكير وتتولاها بالتحليل والاستنتاج لتتم إعادة صناعة المعرفة بأشكال جديدة.
في عالم اليوم الحصول على المعرفة أمر ميسور وسهل، وإن لم تبحث عن بعض المعارف ستبحث عنك، خاصة الأخبار ستجدها على مدار الثانية. مع تطور وسائل التواصل والمواقع ومحركات البحث مثل قوقل بضغطة زر ستجد كل شيء بين يديك، كل ما ترغب فيه من معارف ومعلومات وبيانات وتقارير، وإن أحببت دراسات ووثائق ومقاطع سمعية وصوتية تحمل كل أنواع المعرفة، ستطلع عليها لكن يبقى أمامك التحدي الأكبر!
هذا التحدي الذي لا تنفع معه مهارات القراءة والكتابة، بل لا بد من الاستيعاب والفهم والتحليل والمقارنة. هل معرفة أن هناك فيروساً اسمه كورونا ينتقل عن طريق العدوى يكفي؟ وهل معرفة أصل الفيروس وكيف انتقل وحجمه والأضرار التي يحدثها، وطرق الوقاية منه كافية لمواجهته من كل الناس حتى القضاء عليه؟
من الناحية العلمية المعرفة لا تكفي وإنما هي البداية في طريق طويل. ليس هناك أحد لا يعرف أهمية النظافة لكنك تجد كثيرين لا يعتنون بنظافة أجسامهم ولا بأماكن سكنهم. الغالبية العظمى من الناس يعرفون كل شيء عن كورونا وخطورته من كمية المعلومات الهائلة التي تبث عبر كل القنوات والوسائل ومواقع التواصل لكن رغم كل هذا تجد من لا يلتزم فلا يغسل يديه باستمرار ولا يلبس الكمامات والقفازات، ويخرج من البيت وقت السماح فيذهب للتجمعات إلى آخر قائمة السلوكيات غير السوية فأين تكمن المشكلة؟
المشكلة دون شك في مستوى الوعي وليس في المعرفة. الوعي يأتي في مستوى أعلى من مستوى المعرفة بكثير وأرقى من الإدراك. الوعي بالضبط تحويل كل تلك المكتسبات النظرية من معرفة وإدراك ثم قناعة راسخة وتدريب مستمر على التطبيق ليتحول إلى سلوك تلقائي يمارس بسهولة فيتحول إلى وعي. حين تطبّق التعليمات بكل حماسة وحرص وتحث الناس عليها وتتضايق من الذين يتجاوزونها فأنت قد بلغت درجة عالية من الوعي.
قد يسأل سائل من ليس لديه درجة من الوعي وغير ملتزم ما الحل معه؟ الجواب بلا جدال تطبيق النظام ومن ذلك سن الجزاءات والمخالفات فهي كفيلة بأن تعيد الوعي لمن لا وعي لديه.