د. عبدالرحمن الشلاش
لو سمعت بـ«كورونا» لأول مرة وما فعلت في جميع أرجاء الكرة الأرضية لتخيلت أن كورونا عبارة عن قوة عظمى جبارة بجيوش جرارة يبلغ طولها ما بين المشرق والمغرب، وأن قوة هذه الجيوش لا تضاهى، وفتكها لا يمكن إيقافه، وأن هذا الإنسان بجبروته قد تضاءل وتراجع أمام تلك القوى الجبارة، وأن هذه القوى قد أجبرت بني آدم على إيقاف أعمالهم وإغلاق مساجدهم ومدارسهم، ورفع حالات التأهب القصوى في كل أرجاء المعمورة، وأدت إلى انهيار البورصات وتراجع الاقتصاد العالمي، واتخاذ كل التدابير للوقوف أمام الأمواج الهادرة والجيوش الغاشمة.
تخيلك سيذهب أدراج الرياح عندما تعرف أن كورونا عبارة عن فيروس من ضآلته لا يرى بالعين المجردة، بل يحتاج لرؤيته إلى ميكروسكوب بالغ الضخامة لكنه رغم ذلك فعل كل ما عايشناه وشاهدناه وربما نشاهد ونعايش الكثير في قادم الأيام ليصبح جبروت الإنسان الذي ظن أنه قد بلغ القمم على المحك. شهور قليلة فقط فعل فيها الفيروس غير المرئي، بالغ الضعف الكثير وقد يفعل الكثير. بث الذعر والرعب. أوقف الرحلات الدولية والداخلية. أغلق المطارات ومن جراء كل ذلك استنفرت كل أجهزة الدول لمجابهة هذا الوباء الذي تحول إلى جائحة حولت كل الناس إلى كائنات ضد اللمس والاحتكاك مغلفة بالكمامات والقفازات وأكياس البلاستيك التي تكسوهم من الرأس إلى أخمص القدمين. العلماء أقاموا في المختبرات إقامة دائمة أملاً في التوصل للقاح أو علاج، يقضي على هذا الجيش الفيروسي الخفي الذي يتسلل دون سابق إنذار إلى الأجسام فيصيبها وقد يقضي عليها!
رؤساء الدول يتسابقون بينهم من الذي سيعلن عن توصل بلاده إلى إنتاج العلاج المنتظر. والناس مازالو يقيمون في المحاجر، ومنع التجوال وصل في كثير من الدول وبعض المدن إلى 24 ساعة، والخوف من القادم هو الهاجس لدى الناس. هذا فيروس لا يرى وبالغ الضعف أوقف حركة الحياة فماذا عن القوى الخفية التي لا نعلم عنها شيئًا وقد تكون أصغر من كورونا بكثير، وهل سيبقى من جبروت الإنسان شيئًا ليقف أمامها؟ هل فكر الإنسان في الجانب الروحي لهذه الجائحة وأن هناك قوة عظمى تتحرك بإرادتها تلك الفيروسات والقوى الخفية هي قوة الله عز وجل وفيها العبرة ليعرف الإنسان حجمه ودوره ولا يظن أنه قد وصل لمرحلة أن أحاط بكل شيء وتمكن من كل شيء. قال تعالى: {وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إلا قَلِيلاً}.