تمتلك الدول العديد من المعالم الثقافية بمختلف أنواعها وتاريخها واستخداماتها، وفي السنوات الأخيرة بدأت النظرة إلى هذه المعالم تتغير بشكل سريع من كونها شواهد تاريخية لتكون مصدراً من مصادر المعرفة والاقتصاد، وبدأت الدراسات العلمية، والتخصصات الأكاديمية تظهر وتنافس التخصصات العلمية الأخرى.
وبلادنا العزيزة تمتلك من هذه الكنوز مالا تمتلكه كثير من دول العالم، سواء من مواقع أثرية أو عمرانية تاريخية أو متاحف وصولاً إلى الصناعات اليدوية، وعلى مر السنوات الماضية بدأت تتغير الفكرة السائدة في حفظ هذه الكنوز إلى الاستفادة منها، إلاّ أن هذا التوجه لم يأخذ كفايته لعوامل عديدة يتشارك فيها المكون المجتمعي أفراداً ومؤسسات. المواقع الأثرية ليست معالم محظورة ومحفوظة لتتعامل معها العوامل البيئية فقط، والمتاحف ليست لحفظ الموجودات الثقافية وعرض بعضها للزائر، بل أن التجارب الدولية الناجحة في استثمار هذه الكنوز تؤكد الدور الكبير في مساهمة هذه العناصر في إجمالي الناتج المحلّي. ومع رؤية الوطن 2030 انتهضت هذه الكنوز لتصبح إحدى مكونات الرؤية، لتتوالى الفرص في إعطاء مكونات التراث الثقافي الدور الحقيقي كجزء مهم من المكونات الوطنية التي ستلعب دوراً في رفع السقف المعرفي والاقتصادي، ليأتي بعد ذلك إنشاء هيئات مستقلة لقطاعات الثقافة تحت مظلة وزارة الثقافة. المتاحف لدينا تغطّي معظم مناطق المملكة، سواء كانت عامة أو متخصصة أو خاصة يملكها مواطنون، وهي تحتضن قطعا أثرية وتراثية نادرة ومميزة، ولكنها غير متفاعلة مع المجتمع المحيط لأنها بحاجة إلى تسويق ثقافي يرفع من مستوى استقطاب الزوار، فالزائر إذا وجد في هذه المراكز الثقافية مكاناً يحتويه سيكرر التجربة.
إيجاد مقاهي مؤهلة، تحمل علامة جودة خاصة، تسوّق للمنتجات المحليّة، وتهيئة أجواء المتاحف للقاءات والاجتماعات الخاصة والعائلية، وفتح تغذية مقاهي المتاحف بمنتجات مصنّعة محليّاً من خلال تشغيل الأسر المنتجة وفق ضوابط ودرجة كفاءة معينة، مع ركن تسويقي لرمزيات من الثقافة السعودية، يساهم فيها المبدعون من أبناء الوطن، سواء صناعات حرفية أو كتابة أو حتى نقش الحنّاء للفتيات...الخ.
المسافر لا يكاد يتجاوز قرية أو مدينة إلا ويجد أكثر من معلم ثقافي، إلا أن السكان بالقرب من هذه المواقع ربما لا يعرف عنها شيئا، وربما لم يقف عليها يوماً، وهذه المواقع يمكن أن تكون فرصة كبيرة لاستثمارها من قبل السكان وفقاً لضوابط حماية تضمن سلامة الموقع، تجذب الزوار ويسوق المواطن منتجاته، وتزيد من فرص العمل لأبناء المنطقة، وتساهم في رفع المعرفة وتوسيع العلاقات مع المحيط الخارجي، وتعزز الشعور بالولاء المكاني والاعتزاز به.
الزائر الخارجي لمواقعنا الثقافية، سواء مواطنين أو زوار دوليين، لا يمكنه أن يأخذ كفايته في الزيارة، فالجلوس بعد الزيارة في المكان هو عين الزيارة، مراجعة الذاكرة وتصور الأحداث عامل مهم في تحفيز الزائر على تكرار التجربة، وينقل تجربته إلى غيره.
نحن بلد مضياف، تربطنا عادات وتقاليد تميّزنا، ولكن العلاقة مع الكنوز الثقافية ليست بذات الكفاءة التي تعود على المكان بالمنفعة، وهو دور يشترك فيه الجميع أفراد ومؤسسات، وحتما بأن القادم إن شاء الله يحمل لنا التغيير الإيجابي لهذه الكنوز والاستفادة منها في التعليم والمعرفة والاقتصاد.