ضمن المصطلحات التي تشيع اليوم في الفضاء المعرفي «الجيل الرقمي»، تعبيراً عن الأجيال الجديدة التي تربت وأدمنت على «الانترنت» والأجهزة «الذكية». وهذا المصطلح مبرر علمياً، حيث إن الحاسوب ومشتقاته تعمل بالأرقام. بيد أن المصطلح ذاته يوحي بأن الأجيال الجديدة وكأنها أرقام تتلاعب بها الشبكة العنكبوتية والأجهزة الذكية كيف ما تشاء!
لا شك أن هناك سلبيات متعددة ناتجة عن استخدام تلك الأجهزة ولكن الإيجابيات هي أكثر بكثير من السلبيات، حيث أتاحت هذه الأجهزة لمختلف الأعمار الحصول على المعلومة من مصادر مختلفة ومتضاربة أحياناً. وهذا ما يمنح الأجيال الجديدة القدرة على التحرر من «التلقين الأعمى» لثوابت بالية؛ تقيد المعرفة والإبداع؛ والتي تربت عليها الأجيال السابقة. وإذا كان لابد من إطلاق مصطلح على الأجيال الجديدة؛ فمن الأفضل تسميتها «الأجيال التقنية الخلاقة»!
الاعتراف بقدرات الأجيال الصاعدة ليس نقصاً في الأجيال القديمة، إنما هو الخطوة الأولى نحو ردم الهوّة بين الأجيال. فالذي لا يعترف بتلك القدرات ليس أمامه سوى اللجوء إلى العنف الجسدي أو النفسي أو الفكري أو الاقتصادي أو كل أنواع العنف مجتمعة، لجعل الجيل الجديد منصاعاً لسياقه الخاص. وقد ينصاع الفرد من الأجيال الجديدة لهذا التسلّط الأبوي أو «البطريركي» من باب الاحترام المجامل، ولكن ذلك لا يغير من قناعاته بشيء، وتبقى الهوّة تزداد.
الأجدر بنا نحن الأجيال القديمة أن نعيد إنتاج وعينا على أساس التطور التكنولوجي الحاصل وليس العكس. وهو ما يتطلب إعادة إنتاج النظام المعرفي بشقيه؛ التعليمي والإعلامي؛ وتشجيع الجيل الجديد على التساؤل أولاً؛ والمساهمة في عملية التنمية الفكرية والأدبية ثانياً. وهذا الأمر يتطلب منك أن تقول؛ حتى للطفل السائل: لا أعرف؛ وتعال لنبحث سوياً عن الجواب!
إعطاء الفرد من جميع الأعمار فرصة البحث والتقصي، يعزز الثقة والاحترام بين الأجيال من جهة، ويؤسس لوعي متنامي وقادر على شق طريقه في عالمنا المتسارع في التطور.
** **
- د. عادل العلي