قيل إن أميرة نجدية - أو يمنية - جميلة اسمها (دعد) نذرت ألا تتزوج إلا فتى يرضيها شعره، فتقرّب إليها الشعراء بقصائدهم، ولم ترضَ منهم شيئًا.. وسمع بها شاعر تهامي فنظم قصيدة يصف جمال الأميرة - التي لم يرها - وصفًا حسيًا شاملاً كل أجزائها، مبتدئًا من رأسها إلى أخمص قدميها.. سار بقصيدته هذه إليها، وفي طريقه لقي شاعرًا يبدو أنه كان متجهًا للغرض نفسه، وجلسا يتحدثان ويعرض كل منهما قصيدته على الآخر، ويبدو أن الشاعر الآخر احتقر قصيدته لما سمع قصيدة التهامي وأيقن أنه فائز بالأميرة لا محالة، فلم يجد بدًّا من قتل صاحبه وانتحال قصيدته!.. لكن الأميرة كانت أذكى من أن تنطلي عليها الحيلة فأدركت من لفظ الشاعر ومن قرائن في القصيدة نفسها أن القصيدة ليست لمن أنشدها بين يديها، فقالت الأميرة لمن حولها: «اقتلوا قاتل زوجي»!!
وقد تعددت الروايات حول القصيدة ونُسبت إلى أكثر من عصر وأكثر من شاعر؛ منهم الشعراء العباسيون: ذو الرمة والعكوك - علي بن جبلة - وأبو الشيص، والأكثر على أنها لدوقلة المنبجي - نسبة إلى منبج - قرية بالقرب من حلب، وهي موطن البحتري وأبي تمام وأبي فراس الحمداني وعمر أبي ريشة. والذين يؤكدون أنها لدوقلة المنبجي ينسون البيت الذي اعتمدت عليه الأميرة لتؤكد أن القصيدة ليست لملقيها بل لا بد أن تكون لشاعر تهامي وهو قوله:
إن تتهمي فتهامة وطني
أو تنجدي إن الهوى نجد
وينسون كذلك أن تاريخ الأدب لم يحفظ شاعرًا بهذا الاسم ولم يؤرخ له..
والذين ينسبونها إلى علي بن جبلة العكوك يعولون على أنه يمني كندي وقد ورد في القصيدة قول الشاعر:
فالجد كندة والبطون همُّ
فزكا البنون وأنجب الجدّ
وكما اختلف الرواة في نسبتها اختلفوا في روايتها وعدد أبياتها حتى زادت عند بعضهم على الستين بيتا.. تبدأ القصيدة على عادة العرب بمقدمة طللية جميلة، ثم إلى وصف حسي لجسم (دعد) عضوًا عضوًا!! ويختتم الشاعر المجهول القصيدة معددًا خصاله الحميدة وصفاته الكريمة..
وقد عرفت باسم (اليتيمة) ربما لعدم معرفة قائلها، أو لأنه لا نظير لها.. وقد عدها فاروق شوشة من ضمن أجمل عشرين قصيدة حب جمعها في كتابه المعروف بـ (أحلى عشرين قصيدة حب في الشعر العربي).
وأختم ببعض أبيات القصيدة حسب ما يتسع له المجال:
هل بالطلول لسائل ردُّ
أم هل لها بتكلم عهدُ
درس الجديدُ جديد معهدها
فكأنما هي رَيْطَةٌ جرد
لهفي على دعد وما خُلِقتْ
إلا لطول تلهفي دعدُ
بَيضاء قد لبس الأَديمُ أديم
الحُسن فهو لجلدها جِلدُ
ضافي الغدائر فاجم جعد
فالوجه مثل الصبح مبيض
والشعر مثل الليل مسود
ضدان لما استجمعا حسنا
والضد يظهر حسنه الضد
وكأنها وسنى إذا نظرت
أو مدنف لما يفق بعد
بفتور عين ما بها رمد
وبها تداوى الأعين الرمد
وتريك عرنينا به شمم
أقنى وخدا لونه ورد
وتجيل مسواك الأراك على
رتل كأن رضابه شهد
والجيد منها جيد جازئة
تعطو إذا ما طالها المرد
وكأنما سقيت ترائبها
والنحر ماء الورد إذ تبدو
والمعصمان فما يرى لهما
من نعمة وبضاضة زند
ولها بنان لو أردت له
عقدا بكفك أمكن العقد
ما شانها طول ولا قصر
في خلقها فقوامها قصد
إن لم يكن وصل لديك لنا
يشفي الصبابة فليكن وعد
لله أشواقي إذا نزحتْ
دار بنا ونأى بكم بعد
إن تتهمي فتهامة وطني
أو تنجدي إن الهوى نجد
** **
- سعد عبدالله الغريبي