مع انفتاح العالم، والعولمة، أصبح من الضروري تعلم اللغات، وبما أن اللغة الإنجليزية هي اللغة العالمية في هذا الوقت؛ تتقدم أهمية تعلمها في الصدارة، فيجد الإنسان نفسه مضطرًا لتعلمها، سواء العربي أم غيره.
ومن البديهي أن اللغة الإنجليزية يتعلمها العربي في وقت لاحق من اكتسابه لغته الأم «اللغة العربية»، ومن البديهي أيضًا أن كل لغة من لغات العالم، لها قواعدها الخاصة، بما فيها الصوتيات، فإذا أتقن العربي اللهجة الإنجليزية على نحو ما يتكلمها أهلها، فإن هذا لأمر محمود، وكيف يكون مكروهًا أن يتحدث أحدهم اللغة على نحوها السليم؟! لكن المشين - والذي أنا بصدد نقده - هو بروز شريحة تبالغ في الازدراء، وتتهكم ساخرة، بمن لا يجيد سلامة اللهجة الإنجليزية!
وهنا أقول: إن الجهاز النطقي الذي خلقه الله في الإنسان، هو ذات الجهاز عند العربي والإنجليزي والآسيوي والإفريقي، وغيرهم، ولا تختلف وظائفه بين إنسان وآخر حسب عرقه! فالعربي حين لا ينطق اللهجة الإنجليزية على نحوها السليم، ليس لعيب في مخارج حروفه، بل لأن مرونة لسانه العربية، تحول الجمل الإنجليزية على دربة لسانه العربي، وهنا يُحمد رفع سقف التنبيه والتمرين الدائم للاقتراب من نطقها السليم، أما بشأن الفئة التي تزدري بطريقة استفزازية - أجهل دوافعها النفسية - فبودي أن أسألهم لماذا لا يكرسوا جهدهم في الازدراء بطريقة نطق الأجنبي لمخارج الحروف العربية؟ فإن قال أحدهم إن بعض الحروف العربية لا تتوفر في لغتهم، فقوله مردود عليه؛ ذلك أن الجهاز النطقي واحد، إنما الإنجليزي لم ينطق هذه الحروف بحياته، وبالتالي يجد بلسانه ثقلاً يحول بينه وبينه نطقها، فيحولها إلى ما يعوضها من الحروف بلغته الأم، وكذا هو الحال تمامًا عند العربي الذي ينطق الكلمات الإنجليزية بطريقة عربية.
ثم إن هناك أمرًا آخر، وهو طريقة نطق الإنجليزي لبعض الأسماء والكلمات العربية التي تتوفر كل حروفها بلغته، بطريقة ليست على نحوها العربي، فإذا كان يحول الحرف «ح» في الاسم «محمد» إلى «H»؛ لأنه لا يتوفر في لغته - بالرغم من أن جهازه النطقي ليس به عيبًا يستعصي نطقه -، فماذا بشأن بقية الكلمات والأسماء التي تتوفر جميع حروفها بلغته، لكنه لا ينطقها بالطريقة العربية، كالاسم «ماجد - مازن» - مثلاً - فهو ينطق مد هذه الحروف بطريقة ليست على نحوها العربي، ويحول الكسرة إلى ياء في الحرف قبل الأخير، وهلمَّ جرًا.
من جهتي أنا أتفهم نطق الإنجليزي للكلمات العربية بهذه الطريقة؛ فهي عائدة لعدم دربة لسانه - كما أشرت - وهو السبب نفسه الذي أتفهم فيه نطق العربي للكلمات الإنجليزية على غير نحوها الذي ينطق به أهلها، مع حثي على حرص المتعلم للغات أن يطور من مهاراته اللغوية، ويتقن اللغة بشكل سليم، لكن ما لا أتفهمه هي تلك الشريحة المتحمسة لتصيد الأخطاء، والوقوف على العثرات، والنشوة الوضاحة بتشفي أحدهم في الازدراء حيال عدم إتقان أحدهم اللهجة الإنجليزية، وكأنه من قبل أن يبدأ المتحدث الكلام باللغة الإنجليزية، ينتفض من استرخاء جلسته، وينصب الشباك متصيدًا الخطأ!
** **
- سراب الصبيح