عبده الأسمري
حضرت عدة معارض للكتب وأتابع بشغف ما يتداول من إحصائيات مبهرة لحجم مبيعات «الكتاب» في تلك المحافل الثقافية..
لا تزال أمتنا العربية متعلقة بالكتاب رغمًا عن «ثورة» التقنية وما شاهدته في المعارض الأخيرة من شراء واقتناء وتفضيل وإعجاب مؤشر فاخر لاحترام الكتاب وتقدير لهذا النبع العلمي والمنبع المعرفي الذي يظل مستوطنًا عقول «الباحثين» ومستعمرًا أفئدة «المفكرين».
واجه «الكتاب» هجمات شرسة من «الجيل الجديد» وقاوم بكفاءة في ظل انسياق مذهل نحو التأليف وانعتاق مستديم من الجهل فشاهدنا «الراوية» تتراقص على أعتاب المنصات و»القصة» تمرح في أجندات الأمسيات و»الشعر» يزاحم دواوين الثقافة والنصوص تسمو إلى ذائقة الشغف و»النقد» يرتقي إلى محطات الترجمة.. ودور النشر تتنافس في احتضان «إنتاجات» الإبداع و»استنتاجات» الإمتاع.
«الكتاب» مقتنى أصيل أجاد «الصمود» في وجه عواصف «التقنية» وظل الملهمون بالقراءة المستلهمون بالتحليل في محطة «انتظار» ينتظرون «رحلات» القدوم باشتياق لسد فراغات «البحث» وردم «فجوات» التساؤل لاصطياد لالىء وجواهر معرفية جديدة من الكتب تشبع العقل وترضى الغرور وتصقل الذاكرة.
ارتبطنا بالكتاب المدرسي منذ الصغر وظل قرينًا لأجيال متعددة، فالطفل في مراحل التعلم الأولى بحاجة ماسة إلى محاكاة الورق بإيحاء العقل وإيماء الحواس حتى تبدأ خطواته التعليمية الأولى بالفعل العظيم «اقرأ» ليكون هو الفاعل «المرفوع» بالهمة في جملة فعلية كاملة «المعنى» تسكن «طفولته» وتعلن «بطولته» في درب طويل يظل «الكتاب» فيه الصاحب الوفي والصديق الأوفى.
تراجع دور «المكتبة» المدرسية في ظل خطط تقنية أخرجت الكتاب من «مضامينها» فخرجت لدينا «أجيال» منحنية «الرأس» على الأجهزة اللوحية لا تسمع عن المكتبة إلا «غرفة» لممارسة أنشطة موسمية لا ترتبط بالمعرفة وظلت «منابع» المعرفة عبر الكتب الإضافية التي تنمى مهارات ومواهب الطلبة مصدرًا مجهولاً ومصيرًا مغيبًا أمام سطوة «العولمة» تعاني المكتبات العامة من «خواء» شبه دائم و»فراغ» أقرب بالمستديم فملأ الغبار ردهاتها وأرففها ومسح هوية «العناوين» وسط «إهمال» و»تخاذل مؤسف» واكتفى بعض مسؤوليها بأنشطة على استحياء تقوم على «استضافة» شخصيات وفعاليات متكررة جعلت «الكتب» فيها مغلقة على كنوزها وبقيت هي خاوية على عروشها وسط تنظير مؤقت في حملات «القراءة» لا يتجاوز «التخدير» المؤقت أمام التوجيهات المعلنة.
أسفت أن بعض الشخصيات تتباهى بشراء الكتب في المعارض لترويجها في «الصور» في وسائل التواصل فيما أن ثقافتها لا تتجاوز صورة مبرمجة على شاشة جوال أو فيديو مركب تماشيًا مع «تنافس» اهتم بالقشور وتناسى العمق فظلت تلك «المعارف» ديكورات تزين ردهات المنزل ومواقع التصوير من أجل «تقمص القراءة» و»توهم الثقافة».
سعدت وأنا أرى متاجر لبيع الكتب بالمطارات وشاهدت إقبالاً متزايدًا عليها ولكني أتمنى ألا يظل «الكتاب» وسيلة لتضييع ساعات الانتظار بل «غاية» لتوسيع دائرة الأفكار ليكون رفيق «الأوقات» الدائم لتتحول القراءة إلى «برنامج» يومي لإشباع العقول وإمتاع الأنفس حتى يتغذى «الجهاز النفسي» بالفكر ويعلو «المنطق الذاتي» بالرقي.
تتفنن بعض القطاعات الحكومية والخاصة في وضع منشوراتها ومجلاتها وكتيباتها في صالاتها ومواقعها لترويج أنشطتها وتسوّيق أهدافها متجاهلة دور الكتاب الذي يسهم في إثراء النفع وشيوع الفائدة متناسية واجبها في المساهمة في توفير «أجواء راقية» وصناعة «أهداف سامية».
لدينا خلل وجحود من المجتمع يتعلق بدور الكتاب وأهميته والأمر يطول بعض قطاعات الدولة ومؤسسات المجتمع المدني الذي يجب أن تكون «الكتب» فيها على طاولات الاستقبال وفي صالات المراجعين وأن يكون لها «أركان» خاصة لربط العملاء والمتعاملين بفعل «القراءة» وأنها سلوك حياة ومسلك رقي وحتى تكون تلك الجهات شريكة في صناعة «الجودة» وفي تنمية الإنسان والمكان.