عبده الأسمري
وردت «الحكمة» في القرآن الكريم من خلال آيات وعبر ودلالات واستدلالات مشمولة بتفاصيل فاخرة ومفصلات باهرة لتكون «الخير العظيم» و«العطاء الأعظم» لمن عرف مساراتها وتعرف على مدلولاتها مما جعلها «العنوان الرئيس» لكل معاني العقلانية والذكاء والأمان الحقيقي لشتى معالم التعامل والتكامل..
تغيب الحكمة في حضرة الغضب فيحل «الجدال» ويهيمن «الخبال» ويسيطر التجادل فتغلق «أبواب» الصفاء وتهب «عواصف» الأنا ويتوقف «الهدوء» ويعلو «التباعد» فتأتي النتائج في موجة بائسة من الخلاف وعاصفة بئيسة من الاختلاف لتصل الأمور إلى فراق بين الحديث والمنطق وافتراق بين الحدث والنتيجة.
تأتي الحكمة كعلاج شافع وحل نافع في رأب صدوع الخلافات وفي ردم فجوة العلاقات لتكون السبيل الأول والطريق الأمثل لتبديد «سطوة» الذاتية وتسيد «حظوة» الموضوعية للوصول إلى «حلول» مشتركة تعكس صفاء «النوايا» وتبرز «نقاء» الضمائر.
غابت الحكمة في المجتمع كثيراً فدوت العنجهية وطغت الفوضوية وباتت أصداء «القطيعة» تهدد النسيج الاجتماعي وتبدد النسج الثقافي في قضايا بدأت من نقاط «تافهة» من التناقض وكبرت حتى وصلت إلى «أحجام» ثابتة من التباغض وسط سيطرة «إصرار» الذات و«اندحار» الحوار لتتحول معاني النقاش إلى «معركة» ثنائية أو متعددة الأبعاد ترتهن للابتعاد وترتكن للعزلة.
في قصص القرآن الكريم دلائل وبراهين على «اعتبار» الحكمة في اليقين بالعطاء و«انتصار» الاحتكام في التيقن بالمعطيات لجني «عطايا خفية» في الغيب تأتي بالبشائر والأفراح من لدن العزيز والعليم الحكيم غابت الحكمة عن «منصات» السياسة فحلت «لعنة» الانقسامات وسيطرت «غمة» النزاعات وتغيبت عن «مسلمات» الحقوق فشاعت الفوضى وذاعت الفتن.
الحكمة أصل لتطبيق مبادئ «المنطق» وأساس لتوظيف عوامل «التروي» فمنها تنطلق الحلول وفيها تحتوى الأزمات وإليها ترجع النقاشات وعليها تنطوي الجدالات فان غابت عن مجالس المجتمع ومجامع الحوار تغيب معها «الحس الفكري» و«الإحساس الذهني» وإن وجدت سادت عقول تسدد الحيثيات وتفند المغالطات وصولا إلى «مواقع» تصدر «التفاهم» وتشيع «الفهم» لتحقيق أسمى مراتب «الفوائد وأعلى درجات «المنافع» في اشتراك نحو السداد الإنساني وبعداً عن الكساد الشخصي.
الحكمة «الأداة» الفاعلة لكسر حواجز «الجمود» وتحطيم معاول «الصدود» وهي «الوقود» العقلي لرحلة «التعاون والتسامح والصلاح و«الجود» الفكري لإثبات «الوجود» أمام تزحزح «الشخصنة» وتقهقر «العداوة».
غابت «الحكمة» وتغيب معها «الحوار العلمي» و«التحاور العملي» في شتى ميادين «النقاش» ومراحل «التفكير» فباتت توصياتنا قليلة «الجدوى» خالية التفاعل نظير التلقين ورفع «الشعارات» وتراشق «الفئات» فنشأت لدينا أزمة أزلية من صناعة «المنظرين» و«المطبلين».
للحكمة اتجاهات متعددة تنبع من أعماق الوعي بالأمر إلى آفاق السعي بالرأي وفق قياس الأوضاع من البدايات إلى النهايات لمعرفة أبعاد «الصواب» و«الخطأ» وفهم مواقع «الإيجابية» و«السلبية» لنيل الأهداف وحصد الرؤى بحضور العقل وتواجد الفكر وتكامل الفائدة واكتمال المنفعة.
الحكمة «كيان» ينظم مراتب العقلاء ويرتب صفوف النبلاء ويلغي «هذيان» الجاهلين ويدحر «ترهات» التافهين.. ويكتب للحياة «فصول النهج» ويترك للزمن «تجارب الأثر» لتكون عمود «الآراء» وركن الأداء وتبقى الدواء لكل داء منشأه «الحماقة» وكل وباء منبعه «السفاهة».
الحكمة هي «المعنى» الأول الذي يصنع «فرق» الانفراد ويبرز «فارق» الإتقان في كل شؤون الحياة وجميع متون التعامل وهي «المحك» الأكمل الذي يرتب مقومات «الإنجاز» وينظم مقامات «الاعتزاز».
يجب أن تكون «الحكمة» على رأس الأولويات لأي تخطيط وعلى هرم الاهتمامات لأي تنفيذ حتى ننقي الحاضر من رواسب الماضي وحتى ننتقل بالكفاح نحو الفلاح بأصول «بعد النظر» و«ذكاء الهدف» و«نماء المعنى» وصولاً إلى صناعة المستقبل بإجادة «التفكير» وصياغة الغد بجودة «التدبير».