عبده الأسمري
خط سيرته من اتساع المشارف إلى إشباع المعارف مشكِّلاً «موسوعة» علمية، و«سعة» عملية، قضاها باحثًا بين ومضات المهام، ومستبحثًا في إضاءات الإلهام.. فدوى «أثره» من أعماق «المآثر» إلى آفاق التأثير.. فكتب «التاريخ»، واستكتب «الجغرافيا»، ودوّن «الشعر»، وعنون «الأدب»، وسبك «التأليف»، وسكب «التشريف» في مسيرة أضاءت «مسارب» الاحتياج من مآرب «الإنتاج» إلى «مشارب» النتائج؛ ليشكل مسيرته «كقيمة معرفية»، و«قامة احترافية»، ظلت «عزًّا» للأجيال، و«رمزًا» للامتثال.
إنه العالم والباحث والإعلامي والأديب السعودي حمد الجاسر -رحمه الله- أحد أبرز «الأسماء» السعودية في ذاكرة «الوطن»، واستذكار «المعرفة» في علوم كان فيها «الأستاذ»، ومعالم ظل فيها «المعلم»، و«خبرات» بقي وسطها «الخبير».. واضعًا للأجيال «مناهج» للاقتداء، و«مباهج» للاحتذاء.
بوجه نجدي تعلوه معاني «الزهد»، وتملؤه معالم «الجد»، وعينَين واسعتَين، تتحركان بإنصات، وتسكنان بإنصاف من خلف «نظارة» أنيقة، وملامح كساها «المشيب»، تعنونها لحية بيضاء، تعكس علامات «الوقار»، تتشابه مع والده، وتتكامل مع أخواله، وتقاسيم مشكَّلة من «الهيبة» و«الطيبة»، وشخصية ترتدي البياض، وتعتمر «الغتر والأشمغة» المرسومة بتشكيلة ثابتة فريدة، تحيط بإطارات وجهه، وصوت «جهوري»، تسكنه «لكنة» نجدية عابرة، وتستوطنه لغة فردية معبرة، قوامها «الفصاحة»، واستقامتها «الحصافة»، مع مفردات تعلوها «الحكمة»، وتعنونها «الحنكة»، تستند إلى «التاريخ»، وتتباهى بالأدب، وتنفرد بعلم الأنساب، وتتفرد بالبحث، وتشدو بالشعر، وتتميز بالصحافة، وتفتخر بالقضاء، وتعلو بالتعليم.. قضى حمد الجاسر من عمره عقودًا طويلة وهو يملأ «مطامح» المعرفة بقلم وطني، أخضر مداده «الخبرة»، ويبني «صروح» الأدب بيراع مهني، أنضر سداده «العلم».
في إقليم «السر» بمنطقة نجد الشهير بزف «النبلاء» إلى منصات «العلا» وُلد، وكان خبر ولادته «الجهر» الذي صدح في أنحاء القرى، وتفتحت عيناه على «أب» فقير، و«أُم» كريمة، وعانى صغيرًا من «جسد نحيل عليل»، كان «سببًا» في «همّ» والدته، و«اهتمام» والده الذي ألحقه بـ«الكُتّاب»؛ ليبدأ علامات «السمو» في حضرة «القرآن»، ويخطو خطوات «الرقي» أمام حضور «البيان» مبتهلاً بعبقرية «مذهلة»، جعلته «حدث» وقته، وحديث «أقرانه»..
ركض الجاسر طفلاً بين منازل قريته «البرود» مراقبًا غنائم «الفالحين» في اجتماعات عائلته، ومرتقبًا مغانم «الكادحين» في مجاميع عشيرته مكللاً بنصائح «أبوّة»، مجللاً بدعوات «أمومة»، كانتا له «ظل» الطفولة، و«ظلال» البطولة.
سيرة منوعة مليئة بالتغيرات، مكتظة بالمتغيرات.. بدأ الجاسر أولى خطواتها عندما سافر مع والده للرياض عام 1340هـ، فبقي عند قريب له من طلبة العلم، وتعلم مبادئ «الفقه والتوحيد»، وحفظ بعض سور القرآن غيبًا. وبعد عامين عاد إلى «البرود»، ثم تجرع اليُتم إثر وفاة والده؛ فكفله جده لأمه الذي كان إمام مسجد قريته، وكان يساعده بالإمامة.
وفي عام 1346هـ تم ندبه ليعمل مرشدًا لفخذ من قبيلة «عتيبة»، يصلي بهم رمضان، ويعلِّمهم أمور دينهم. وفي أواخر العام نفسه رجع للرياض، واستقر لطلب العلم على أيدي مشايخها، ثم تركها قاصدًا مكة المكرمة حيث التحق بالمعهد العلمي السعودي عام 1348هـ متخصصًا في (القضاء الشرعي)، ثم عمل بعدها مدرسًا ومديرًا في ينبع من عام 1353هـ حتى عام 1357هـ، ثم انتقل إلى سلك القضاء؛ فعمل قاضيًا في «ضباء».
ولأنه شغوف بالدراسة سافر عام 1358 إلى القاهرة، والتحق بكلية الآداب في جامعة القاهرة، ولكن الظروف العامة لم تساعده؛ إذ قامت الحرب العالمية الثانية، وأُعيدت البعثة السعودية من هناك.
رجع إلى التدريس، فدرّس في مناطق عدة، وتقلد مناصب تربوية مختلفة، منها رئيس مراقبة التعليم في الظهران، ثم مديرًا للتعليم في نجد عام 1369هـ.
كان أول مدير لكليتَي الشريعة واللغة العربية في الرياض، وأنشأ مجلة اليمامة وأول دار للطباعة في نجد عام 1955، وأنشأ مكتبة لبيع الكتب، هي مكتبة (العرب)، ونُشرت له مقالات عديدة في صحف ومجلات محلية وعربية عدة، وله عضويات متعددة في مجمعات عدة للغة العربية والبحوث والعلوم في العالم العربي، وتم منحه وسام الملك عبدالعزيز عام 1415، وتكريمه بأوسمة وجوائز عدة محليًّا وخارجيًّا، وتم إطلاق اسمه على شوارع وحدائق وقاعات ومدارس عدة نظير ما قدمه.
له عشرات الكتب في علوم عدة، وقدّم أخرى. وقد تم إنشاء مؤسسة حمد الجاسر الخيرية التي تمثل صرحًا لحفظ وطباعة ونقل وإثراء ما تركه من إرث معرفي وتراث علمي.
تُوفي يوم الخميس 16 رجب 1421هـ عن عمر يناهز 93 عامًا بعد حياة حافلة بالسخاء والنماء.
حمد الجاسر.. استجمع المهارات؛ فجمع الامتيازات في سجلات «التوجيه»، ومساجلات «الوجاهة»؛ ليكون وجه «الوفاء» في مراحل «العمل»، وواجهة الاستيفاء في محافل «التفوق».