«الجزيرة الثقافية» - محمد هليل الرويلي:
ذاكرته للوراء حاولت الاستدعاء فارتَدّتْ دون إشارة! إذ نشأ في بيئة ثقافية فقيرة جدا، من حيث الكتب والقرَاءة – كما وصف- وجالت «منتصف الثمانينات» في مدرسته الابتدائية، فوجدها هي الأخرى، لم تكن حافزا لدعم هذا النمط من التعليم. ربما استقر هذا الشغف في وجدانه فطريًا. كشاعر وجد نفسه ميالا للشعر منذ صغره.
أول ما وقعت عليه عيناه في بيت صديقه كتب «مهترئة مهملة» أقرب ما تكون «للكوميكس» COMICS، فأنهاها سريعًا. أما في زمن (الصحوة)، فتمرد عقله الحر، اختار الانحياز للوطن.
لمع نجم «المهلب»، زمن المنتديات الإلكترونية. تفاعل بعقل حر بعيد عن ثقافة القطيع، وصاغ وصان القيم النبيلة، سالكًا جادة العدل، والاعتدال، في التعاطي مع الأحداث والأشخاص. فأي الفخر، إلا ما بلغه ضيفنا هذا الأسبوع، الباحث والمحقق الكاتب محمد عبدالله الرويلي والملك المثقف «صديق المثقفين» سلمان بن عبدالعزيز، حين كان أميرًا للرياض، دعاه لقصره وناقشه في كتابه وأشاد فيه.
«أبطال من الصحراء» بوابتي
للتاريخ الشعبي
بعد إشاراتنا العَجُولة، نفذَنا بخُفٍ ذاكرة ضيفنا الباحث والمحقق «محمد عبدالله الرويلي وقال: لازلت في زمن الطفولة حينها وقعت أسيرا على «روايات الجيب المصرية» لنبيل فاروق، و«أجاثا كريستي». كنت -ولازلت- شغوفا بقراءة الأدب ويرجع ذلك ربما، إلى ظروف الزمان والمكان والمتاح. وجدتُ نفسي منجذبًا نحو التاريخ. هذا الولع بالتاريخ جعلني أستبق سنين دراستي، وتزايدت أسئلتي الحائرة حول أحداثه الساخنة.. أجاب أساتذتي مشكورين على بعضها، فيما لم أجد ما يشبع فضولي في تفسير كل ما أقرأ من تفاصيل..
لماذا التاريخ بالذات؟!. سؤال ما انفك يراودني؛ لكن موقفا من الذكريات القليلة يفسر هذا الشغف!. كان والدي -رحمه الله- كثير التّسفار لأجل العيش، كان بدويا أمّيًا، لكنه في إحدى زياراته أحضر كتابا وطلب مني أن أقرأ له منه (أبطال من الصحراء) للشاعر محمد الأحمد السديري -رحمه الله- فكان بوابتي لقراءة التاريخ الشعبي..
زمن الصّحوة
وتابع: كان للفكر الديني والدعوي أثره الكبير على زمن (الصّحوة)؛ انحصرت قراءتي فترة معينة حول هذا الجانب. وكان «الرحيق المختوم» للمباركفوري في السيرة النبوية من أوائل الكتب المتخصصة التي قرأتها في التاريخ.. بعد ذلك، برزت أهم تجارب الحياة غزارة في التكوين الفكري والثقافي «المرحلة الجامعية» ومن أجلها أجبرت على الرحيل للعاصمة. أتاح لي الاختلاط بالكتب والمثقفين تنوعًا وثراء معرفيا. وكان «وحي القلم» للرافعي، خير ملهم في الكتابة الأدبية، رسّخ داخلي الحب المتنامي للأدب والفكر. وظلت الرواية رفيقة دربي الوفية، وانجذبت للروائيين، العرب والعالميين، رغم انشغالاتي بدراستي الطبية.
أسرتني «عذراء جاكرتا»
.. ولاح «وإسلاماه»
وزاد: بدأت رحلة جادة في الأدب «العبرات والنظرات» للمنفلوطي. وأسرني الكيلاني -رحمه الله- بأسلوبه السلس في «عذراء جاكرتا» و»ليالي تركستان». ثم لاح، «وإسلاماه» لباكثير، وكان من أمتع ما قرأت بما جمع بين التاريخ والأدب. كما ارتقيت في القراءة في هذه المرحلة، للأدب العالمي، الفرنسي والروسي «الإخوة كرامازوف، البؤساء، الفرسان الثلاثة، الكونت ديمونت كريستو»..
«أحداث سبتمبر» وتداعياتها على المشهد السعودي
وقال الكاتب محمد عبدالله الرويلي: بعد الجامعة، كان الحراك السعودي ساخنا، والمنتديات بعصرها. أردت بشدة الكتابة حول الفكر، والمشاركة في السجال الدائر بين الحداثيين والتقليديين؛ لكن وجدت الباب مقفلا! بسبب احتكار النخب والمعارف.
في هذه الأثناء تلقى العالم صدمة (أحداث سبتمبر) المؤلمة وما تلاها من تداعيات سياسية وفكرية على المشهد السعودي خاصة. كانت الأحداث نقطة تحول مثيرة بالنسبة لي، وانفصالا اضطراريا بلا رجعة مع جل أصدقاء الأمس الذين وجدوا في فكري المعتدل والناقد لهذا العمل الأهوج تمردا على قيمهم وأفكارهم المتطرفة!. هجرتهم روحا وجسدا، وهمت على وجهي أبحث عن محطة تستوعب أفكاري النقدية؛ وحماسي المتقد للكتابة بسب المكنوز الفكري الذي يضطرم في صدري بدون وسيلة للسرد والتفاعل الحر بعيدا عن ثقافة القطيع!.
وأضاف: كانت المحطة التالية غير متوقعة رغم جذورها العميقة داخلي، وما ترك في نفسي الأثر البالغ مشاهدة «الزير سالم»؛ فانبعثت عاطفتي القديمة للتاريخ الجاهلي والشعبي؛ وانهمكت في «المنتديات القبلية» التي كانت أبوابها مشرعة لي بدون قيد أو شرط للكتابة والنقاش الحر. وعكس الصور النمطية، قادتني نحو جادة العدل، والاعتدال، في التعاطي مع الأحداث والأشخاص. واستجابة لهذا التحول؛ قرأت معظم الكتب المتأخرة والمتقدمة ككتب النسابة الشهير ابن الكلبي؛ و»الأنساب» السمعاني، وملخص ابن حزم «جمهرة النسب، وتعددت قراءاتي التاريخية والأدبية المنتقاة «الأغاني، العقد الفريد، نشوة الطرب، معجم ما استعجم». و»البيان والتبيين، فقه اللغة» وغيرها من الكتب التراثية. وكتب التاريخ الوسيط لمؤرخي نجد وبلاد الشام والعراق؛ ثم للمعاصرين «الشيخ حمد الجاسر والخميس والظاهري..» إضافة لكتب المستشرقين الغربيين الذين زاروا الجزيرة العربية في القرون الثلاثة الماضية، ومن هؤلاء «بوركهارت، ألويس موزل، الليدي آل بلانت، ماكس أوبنهايم، ديكسون، فيلبي» وآخرون.
وبين «الرويلي»: قد يعود السبب بذلك لتأليف أول كتبي «بنو وائل في التاريخ» فلقي الكتاب -بحمد الله- صدى طيبا في الأوساط الثقافية المتخصصة في التاريخ والأنساب وقد كان اللقاء بخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان -يحفظه الله- عندما كان أميرا للرياض بعد قراءته للكتاب وإعجابه به؛ ودعوته -الخاصة- لي للاجتماع به في قصره؛ فخرا عظيما لي ولعائلتي وذكرى عزيزة خالدة في قلبي لا تنسى!.
ومؤخرا انتهيت من طباعة كتابي الآخر حول التاريخ السياسي لمنطقة الجوف التي أنتمي لها وقد حمل عنوان «تسليم الجوف. الحقيقة الكاملة» وسيكون هناك كتب أخرى ومقالات أدبية واجتماعية وبحثية -بحول الله- في التاريخ الوسيط والفكر.