حاوره - قصي البدران:
تحدّث صاحب السمو الملكي الأمير سعود بن نايف بن عبدالعزيز آل سعود أمير المنطقة الشرقية لـ «الاقتصاد»، واختصّها بهذا الحوار في مناسبة «اليوبيل الذهبي»، مشاركاً غرفة «الشرقية» احتفاءها بمرور 50 عاماً على إصدار مجلتها، مؤكّداً أنها عكست أحد وجوه النمو والتطوّر والتقدّم الذي شهدته المملكة في الـ 50 عاماً الماضية، مشيراً إلى ما تؤديه غرفة الشرقية من دور في خدمة الاقتصاد الوطني، ورجال وسيّدات الأعمال بالمنطقة، وفي خدمة مسيرة التنمية. وأعرب عن ثقته في مجلس إدارة الغرفة الجديد، لافتاً إلى ثقته بمجالس الإدارة السابقة. وأشاد سُموّه بأداء مجلسي شباب الأعمال وشابات الأعمال، مؤكداً أن شباب المملكة هم ثروتها، وأن شباب «الشرقية» عماد أي تقدُّم ونهضة في مستقبل المنطقة، وأنهم يمثلون رصيداً استراتيجياً للمنطقة في مواجهة التحديات التي تطرحها المتغيرات العالمية على شعوبنا، خصوصاً فيما يتعلق بمفاتيح التقدُّم، وامتلاك أدوات التكنولوجيا الحديثة ومستجداتها السريعة والمتلاحقة.. عديد من القضايا والموضوعات بالغة الأهمية طرحها سُمُوّهُ في حديثه إلى «الاقتصاد» في «يوبيلها الذهبي» والذي ينشر في صحيفة الجزيرة بالتزامن معها.
* بلغت مجلة «الاقتصاد» اليوم 50 عاماً من عمرها.. ما الذي يدور بخاطر سموكم، وربما تودّون قوله، في هذه المناسبة؟
- بشكل عام، فإن ما تشهده بلادنا من تطوّر كبير في وسائل الإعلام وأدوات الاتصال، خلال السنوات الأخيرة، يعكس أحد وجوه التقدُّم الشامل الذي تمضي إليه في كافة المجالات من ناحية، كما يعكس انفتاح بلادنا على أدوات العصر ووسائله، ووجودها في مقدّمة أكثر الدول استخداماً لوسائل الإعلام والاتصال، وما يعنيه ذلك باعتباره أحد معايير التقدّم والنمو في العالم. أما ما يتعلّق بمرور خمسين عاماً على إصدار مجلة «الاقتصاد»، فإنه يعني لي مدى اهتمام المملكة، منذ وقت مبكّر بالصحافة عموماً، وبالصحافة الاقتصادية خاصة، إذ تقف «الاقتصاد» شاهدة على أسبقية الإعلام السعودي توجّهاً واهتماماً بالصحافة المتخصصة، والاقتصادية على نحو خاص، وهو ما أسهم إلى حد كبير في تطوير الحِسّ والوعي الاقتصادي بالمنطقة الشرقية، ويعكس في الوقت نفسه تطور هذا الوعي بين أبناء المملكة بشكل عام. ولاشك في أن بلوغ مطبوعة تتناول الجانب الاقتصادي هذا العمر في ظل تراجع الاهتمام بالصحف الورقية، وهو لا يصب في صالح غرفة الشرقية فحسب، لكنه إنجاز أمام كل من يريد أن يرصد ما حققه وطننا في كافة المجالات. إنها تجربة تستحق أن نتأمّلها، وأن نتأمّل في دلالاتها وما تقدّمه لمجتمعنا ولقطاع الأعمال من رسائل حول ما حققته بلادنا خلال الخمسين عاماً الماضية في كافة المجالات، وحول ما بلغه وطننا من درجة تطوره، إذا ما نظرنا إلى بداية صدور المجلة، كيف بدأت؟ وكيف هي الآن؟ إن مجلة «الاقتصاد» علامة تقدّم ونمو وازدهار، إذا ما نظرنا إلى مسيرتها، وتأملنا حجم ما حققته المملكة خلال تلك العقود الخمسة، فهي سجل للإنجازات، وشاهدة على نهضة المملكة ونموها وتقدّمها الحضاري.. ونحن نأمل مزيداً من النمو والتطوّر لخدمة وطننا الكريم في ظل قيادة مولاي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وسمو ولي عهده الأمين صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز.
* وكيف تنظرون سموكم إلى الأداء الإعلامي في مجتمعنا، بشكل عام، وأداء الإعلام الاقتصادي، بشكل خاص؟
- على ضوء متابعتي للإعلام المحلي، أجد أن ثمَّة تطوّرات هائلة شهدها هذا القطاع، خصوصاً على صعيد التقنيات الحديثة التي دخلت في هذا المجال، فوجدت قاعدة جيدة وثابتة من المؤسسات الإعلامية التي تقودها قيادات وطنية مخلصة، فتفاعلت معها، فانتقلنا من النشر الورقي إلى النشر الإلكتروني، بصورة تدريجية، بحيث لم نشعر بالفارق، لكون صحافتنا وإعلامنا المحلي - ولله الحمد - كان يسير بوتيرة تصاعدية متطوّرة، حاملاً معه هم القضايا الوطنية والعربية والإسلامية. وبالنسبة للإعلام الاقتصادي، فقد شهد هو الآخر نقلات نوعية خلال العقدين الماضيين، إذ كانت المجالات الاقتصادية غائبة أو غير واضحة بين الأخبار والتقارير الأخرى، وربما لم يزد الاهتمام بالاقتصاد على وجود نصف صفحة في أي صحيفة، تعكس بحجمها درجة الاهتمام بالاقتصاد، وكذلك كانت الحال في الإذاعة والتليفزيون، مجرد أخبار في ذيل النشرات الإخبارية، فيما تغيرت هذه النظرة، وتطوَّر الاهتمام، فوجدنا صفحات متخصصة في الصحف، وبرامج اقتصادية ثابتة وبشكل دوري منتظم في الإذاعة والتليفزيون، ثم أصبحنا أمام ملاحق بعضها مستقلة تتناول الشأن الاقتصادي بشكل منفرد، ثم ظهرت صفحات متخصصة في شؤون اقتصادية بعينها مثل الصناعة والتجارة والعقار والسياحة وغير ذلك، ولم يتوقف النمو في هذا الشأن بل ظهرت لدينا مجلات وصحف وقنوات فضائية متخصصة في الشأن الاقتصادي، وهو ما يكشف عن ثراء وغنى إعلامي وثقافي وحضاري لمجتمعنا الذي نما وينمو بشكل دائم ومستمر في كافة المجالات. وبهذه المناسبة أشد على عضد القائمين على مجلة الاقتصاد التي ولدت متخصصة في الشأن الاقتصادي منذ 50 عاماً، وهو بحد ذاته إنجاز كبير للغرفة، وللعاملين بالمجلة، وللوطن بشكل عام.
* غرفة الشرقية شريكة في تطوير الأداء الاقتصادي لقطاع الأعمال بالمنطقة الشرقية، خاصة، ومجتمعنا على نحو عام.. كما أنها شريكة في تطوير الحياة الاجتماعية والثقافية في المنطقة.. كيف تصفون أداءها، وماذا تنتظرون منها أداءً لمسؤولياتها في المستقبل؟
- منذ أن تشرّفت بتحمّل مسؤولية العمل في المنطقة الشرقية، وأنا أرى غرفة الشرقية تسير في ركب التميز، وأرى أداءها يسير من حسن إلى أحسن، ومن عطاء جميل إلى عطاء أجمل لخدمة الوطن من البوابة الاقتصادية، وهي بوابة واسعة ورائعة وذات مجالات خصبة - كما تعلمون. وما يدعو إلى الاعتزاز والفخر وأراه مصدر سعادة شخصية أن كل هذه الإنجازات التي تحققها غرفة الشرقية تتم بأفكار وعقول وبأيادٍ وسواعد وطنية مخلصة لدينها ووطنها ومليكها المفدّى.. ولا شك في أن الوطن يستحق منّا كل جهد وكل عمل، ويستحق كل التضحيات، وأود أن أسجّل هنا ثقتي العالية بالمجلس الجديد لغرفة الشرقية، كما كانت ثقتي بالمجالس السابقة التي كانت عند مستوى الثقة.
* يشارك مجتمع الأعمال بالمنطقة الشرقية في عملية التنمية وتطوير البيئة الاستثمارية بالمملكة، وفي الشرقية على نحو أكبر.. كيف تنظرون سموكم إلى هذه المشاركة، وما تقييمكم لها في نصف قرن مضى؟
- العمل الذي يقوم به رجال وسيّدات الأعمال في المنطقة الشرقية يعكس مستوى متميزاً من التطور والنمو، وأجد أن البيئة الاستثمارية التي سعت الحكومة الرشيدة لتوفيرها على مختلف الصعد مشجِّعة ومحفّزة، لكن نجاحها مرهون بتفاعل المستثمرين أنفسهم معها، وما شهدته خلال السنوات الأخيرة هو أن مجتمع الأعمال بات واعياً أكثر مما مضى بالدور المنوط به، وبات يحمل المسؤولية الوطنية، في تقديم مشروعات جديدة ذات قيمة مضافة للاقتصاد الوطني، بحيث توفر السلعة والخدمة بمستوى عالٍ من الجودة، وتوفر مجالات عمل للشباب السعودي، الواعد المؤهل الطموح.
* يتطلّع المجتمع السعودي إلى المستقبل، وكذلك مجتمع الأعمال.. في ضوء تجربتكم وخبرتكم العميقة بإدارة شؤون المنطقة، ما الذي ينبغي لمجتمع الأعمال أن يُركّز عليه في الفترة المقبلة، ليواصل نجاحاته التي حققها، ولتفادي أيّ إخفاقات تعرّضَ لها في الماضي؟
- أشكركم على طرح هذا الموضوع المهم، فكما تعلمون أن التوجه الجديد للقيادة الكريمة في بلادنا الحبيبة في مجال الاقتصاد الوطني، يتّجه إلى تنويع مصادر الدخل، والاعتماد الكبير على القطاع الخاص، حتى في المؤسسات والمصالح الخدمية التي تقوم بها الدولة. ولدينا تجارب عديدة على هذا الصعيد في مجالات الاتصالات والتعليم والصحة والتأمين والسياحة وغيرها، وبال تالي فإن من المهم جداً أن يدرك مجتمع الأعمال أنه في موضع ثقة القيادة، وهذا يعني مسؤولية كبيرة بحجم ومساحة وطننا الكبير (المملكة العربية السعودية)، هذا أولاً، وثانياً فإن من المهم جداً أن يركّز مجتمع الأعمال على دعم المشروعات الحيوية للمجتمع وللاقتصاد الوطني، وأن يتّجه إلى المشروعات التي تلامس حاجات المواطن اليومية، وأن تحقق هذه المشروعات المواءمة بين التقنيات الحديثة والاعتماد على العنصر البشري الوطني، لتكون مشروعات تنموية تسهم في مزيد من التطوير لبلادنا التي تعد رقماً صعباً على خريطة الاقتصاد العالمي، ولا مجال للاحتفاظ بها في هذه المكانة عند القمة إلا بمزيد من الإنتاج واستثمار مواردنا البشرية التي تُعدُّ أغلى ما تملك بلادنا من ثروات.
* رؤية 2030، رؤية طموحة للتحوّل الشامل، وللتنمية المستدامة.. بحكم اطلاعكم على تفاعل مجتمع الأعمال والمجتمع عموماً، ما تقييمكم للبداية، ومستوى الإنجازات؟
- ما نلحظه منذ إطلاق برامج رؤية المملكة 2030 أنها تسير بخطى متسارعة قوامها الدقة في التنفيذ، لضمان سلامة المخرجات وإيجابية النتائج، فضلاً عن المتابعة والعمل الدؤوب من قبل القيادة الحكيمة المتمثلة في رؤية خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وسمو ولي العهد الأمين صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان، وربما كانت المسألة في البداية بحاجة إلى نشاط توعوي كبير للتعريف بمبادئ الرؤية وأهدافها، خصوصاً لمن لم يتسنَ له الاطلاع التفصيلي عليها، فقد قامت كافة الدوائر والمصالح الحكومية بتنفيذ فعاليات تتحدّث عن الرؤية، وقد شهدت غرفة الشرقية على سبيل المثال عديداً من هذه الفعاليات، التي كانت مهمة في مجال التعريف بالرؤية، والتوعية بأهدافها وآليات تطبيقها، وما لاحظته بعد عامين من إطلاق الرؤية هو أن عديداً من الإنجازات بدأت تتحقق، وبدأ تيار الإصلاح يقوى في الحياة العامة (الاقتصادية والاجتماعية والثقافية)، وبات المواطن السعودي مدركاً لدوره في هذه الرؤية، مشاركاً في تنفيذ فعالياتها، وتحمل بعض المعاناة الناجمة عن عملية الإصلاح، وأجد أن مزيداً من الإيجابيات سوف يظهر في المستقبل القريب، بدليل أننا بين فترة وأخرى نعلن عن إطلاق مشروع جديد يقدّم سلعة أو خدمة جديدة، ويوفّر مجالاً جديداً للعمل، ويتيح فرص عمل إضافية، ما يُعدّ إنجازات تصب في صالح الوطن والاقتصاد الوطني.
* في مناسبات كثيرة تحدثتم -سمو الأمير- إلى مجتمع الأعمال، كيف كانت استجابة هذا المجتمع لتطلعات سموكم ورؤيتكم في المنطقة؟
- مجتمع رجال الأعمال يتفاعل مع مؤسسات القطاع العام، كما يتفاعل مع خطط الدولة وطروحاتها، وقد شهدنا تفاعلاً كبيراً من رجال الأعمال في المبادرات العامة، فرجل الأعمال يبقى واحداً من أبناء هذا الوطن، وكثيراً ما أثلجوا صدري بطروحاتهم وأفكارهم، خصوصاً إذا كانت تحمل قيمة مضافة للإنسان السعودي، الذي أرى أن العناية به وتطويره وتعليمه وصحته في المقدمة دائماً.
* المنطقة الشرقية تقع في قلب منطقة الخليج العربي، وتتمتع بموقع جغرافي متميّز للحركة التجارية عبر التاريخ.. ما الذي يتعيّن على الحكومة والمجتمع، لإطلاق ريادة جديدة لهذه المنطقة على المستويات الوطنية والإقليمية والعالمية؟
- لكي أجيب عن هذا السؤال المهم أقول أولاً إن قدرنا أن نكون في بلاد الحرمين الشريفين وهي قبلة العالم، وقدرنا أيضاً أن نكون في قلب العالم الإسلامي، وأن نكون في الصدارة، وهي نعمة من نعم الله جلّ شأنه، وعلينا أن نؤدّي حقها بالشكر وأن نحافظ عليها، فبالشكر تدوم النعم، وحين نقول الشكر لا يعني أن نقول ذلك بالكلام والألفاظ فقط، وإنما بتحمّل المسؤولية، والحفاظ على هذه النعم، وتطويرها، وتجنيدها لصالح المصالح العامة للوطن أولاً، وللأمتين العربية والإسلامية. وثانياً فإن مبدأ أن تكون لدينا ريادة جديدة لهذه المنطقة على المستويات الوطنية والإقليمية والعالمية، فهذا أمر لا مفر منه، وهو خيارنا وقدرنا الذي قدرّه الله، وهو مسؤوليتنا الملقاة علينا، ولا يتم ذلك إلا بإدراك هذه القيمة، وهذا الموقع، ومن ثم البحث عن الفكرة أو الأفكار الجديدة التي تضمن المحافظة على هذا الموقع، والتفاعل مع الطروحات المحلية والعالمية للتطوير الاقتصادي، والبحث عن كل جديد في هذه المجالات، وأظن أن مثل هذه الموضوعات تم بحثها في أكثر من محفل، سواء في غرفة الشرقية أو في غيرها.
* السياحة.. أصبحت اليوم ميزة اقتصادية عالية، والمنطقة تتميز بمؤهلات ثمينة لتطوير صناعة السياحة، ما مدى رضا سموكم عن أداء نشاط الجذب السياحي، وبماذا تنصحون لتطوير هذه الصناعة، وتفعيل المزايا النسبية في هذا الجانب؟
- لدينا في المنطقة الشرقية مقومات سياحية كبيرة، وهائلة، والعمل الذي تبذله الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني، ومؤسسات القطاع الخاص هي محل شكر وتقدير على هذا الصعيد، ولكنِّي أجد أن المجالات ما زالت واعدة، وما زالت السياحة في بلادنا - رغم توافر المقومات وقوة الإمكانات - بحاجة إلى المزيد، فلدينا البحر والتراث والواحات والمصانع والأسواق والفنادق والمطاعم وكل المقومات التي تجعل من سياحتنا متميّزة، والجهود الكبيرة التي تبذل من قبل هيئة الترفيه سوف تكون داعمة للتوجه السياحي في البلاد بشكل عام، وفي المنطقة الشرقية على وجه الخصوص.
* الشباب هم محرك النشاط وحيوية المجتمع.. بحكم عمل سموِّكم واطلاعكم، كيف تقيّمون الأداء المهني للشباب السعودي عامة، وشباب الشرقية خاصة؟ وماذا تودّون سموكم أن تقولوه للشباب؟ ما الذي عليهم تفاديه أو الحرص عليه، ليواصلوا النجاح؟
- ما زلت عند موقفي الذي أبديته في أكثر من مناسبة عامة، سواء في غرفة الشرقية أو في غيرها، بأن الشباب السعودي، وشباب المنطقة الشرقية قادر بإذن الله على تحمّل المسؤولية، وحمل أعبائها، والإبداع في تنفيذ متطلباتها، وليس هذا من قبيل القول العام، وإنما جاء بناءً على معطيات وحقائق شهدناها على أرض الواقع، ويجسّدها التواجد الملموس للشاب السعودي في المصانع والمعامل والبنوك والدوائر، عليهم المزيد من الثقة والتوكل على الله، فإن القادم أفضل بإذن الأعز الأجل.
* القطاع الخاص هو الطرف الرئيس في عملية «توظيف» الشباب.. بحكم إطلاع سموكم، ما الذي يتعيّن على الشركات والمؤسسات الخاصة، الاهتمام به لدعم توظيف الشباب السعودي، وفتح آفاق جديدة لهم فيما يتعلق بفرص العمل؟ وكيف ترى سموكم أسلوب هذا القطاع في التعامل مع مسألة توطين العمالة؟
- إذا كانت رؤية المملكة تتبنّى مبدأ الاعتماد على القطاع الخاص في تنفيذ موادها وتحقيق أهدافها، فإن جزءاً كبيراً من هذه المواد وهذه الأهداف تعطي أولوية لتأهيل الشاب السعودي، وفتح مجالات العمل أمامه، فإذا كنّا قد استعنّا في وقت ما بإخواننا الوافدين وهم شركاء لنا في تنمية البلاد، فإن ذلك لا يعني تقليلاً من كفاءة وقدرة الشاب السعودي، بل إن التطورات الأخيرة التي شهدها اقتصادنا الوطني والقرارات الرسمية في مسائل التوطين تؤكد ثقة القيادة في الشباب السعودي، وما على القطاع الخاص إلا المبادرة، فقد أثبتت الأحداث عبر التاريخ أن المواطن السعودي هو خيار التنمية الوطنية، وهو اليوم خيار رؤية 2030.
* لدى سموكم تجربة مهمة وفريدة في التعامل مع مختلف جوانب الحياة والأنشطة بالمنطقة الشرقية.. ما هي المزايا النسبية التي تتمتع بها المنطقة، سواء على مستوى الثروات أو الموقع الجغرافي، أو ثروات الآثار، ولم يجر استثمارها حتى الآن بالشكل الصحيح؟
- من المعروف أن المنطقة الشرقية هي واحدة من أهم مناطق بلادنا الحبيبة، وتتمتع بمزايا نسبية عدّة، بعضها واضحة ومتفق عليها، منها أنها قلعة النفط والغاز في المملكة وعاصمة الطاقة على مستوى العالم، كما أنها منجم الإنتاج الوطني الصناعي، وهي الرقم الصعب في الإنتاج الزراعي والسمكي (خصوصاً التمور والفواكه والمصائد والأسماك)، فضلاً عن كونها تقع على ضفاف الخليج العربي وما يشكّله هذا الموقع من ميزة تجارية وسياحية واجتماعية وثقافية فريدة، على أن الثروة الأهم، في رؤية سيِّدي خادم الحرمين الشريفين وولي عهده الأمين يحفظهما الله، وبالنسبة لي، هو إنسان هذه المنطقة، فالموارد البشرية في منطقتنا الغالية - كما هي في مختلف مناطق المملكة - هي المجال الأهم والأرحب للاستثمار، فمن خلال إنسان هذه البلاد تتحقق الإنجازات، وهذا ما أكدت عليه القيادة في بلادنا، وفي ضوء رؤية القيادة الحكيمة، أتبنّى الفكرة وأسعى قدر جهدي أن أحقق آمال القيادة في استثمار كافة الطاقات والقدرات التي تمتلكها كوادرنا البشرية في المنطقة الشرقية، وإتاحة الفرص أمامها لتقدّم كل ما لديها من مبادرات وإبداعات في خدمة الوطن، من خلال كل الآليات والسبل المُتاحة، وفي هذا الإطار فإنني أحرص على فتح أوسع الآفاق للمواطن السعودي في المنطقة الشرقية، كي يبدع ويخدم دينه ووطنه ومليكه على أفضل وجه، وهذا هو الأمر الثابت في كل سياسات الدولة على مختلف الصعد، يعكس ذلك أرقام الموازنة العامة للدولة، حيث تركيزها على المجالات الاجتماعية ذات الأولوية في التعليم والصحة والتنمية الاجتماعية، فمنها تتحقق الإنجازات، كما قرأتم في بنود رؤية 2030 التي وضعت الإنسان السعودي على رأس كل القضايا، فهو الرقم الأول والأخير في كل خطط التنمية وكل عناصر الرؤية.
* ماذا عن الثروات الأخرى التي يمكن للإنسان السعودي أن يبدع في تطويرها؟
- لدينا مجالات عديدة متاحة للاستثمار المحلي والأجنبي، وهي محل بحث وقراءة عميقة من قبل المسؤولين في الدولة، وممثلي القطاع الخاص، ولا أجدني أقول جديداً إذا قلت إن لدينا من الإمكانات الكثير مما يمكن أن يحقق لنا مزيداً من التطوّر والنمو، وغير النفط والغاز والبتروكيماويات، حيث المملكة في المراتب الأولى على المستوى العالمي، نجد أن لدينا مجالات أخرى، توجهنا لها من قبل، ولكن ينبغي أن نزيد الجرعة ونرفع درجة الأداء - كما نصت الرؤية 2030 - في مجالات عدة مهمة، منها مثلاً: الزراعة، فالمنطقة الشرقية بها من الواحات التي تجعل منها منطقة زراعية تحقق الأمن الغذائي من قبيل واحات الأحساء والقطيف وما جاورهما، فنحن بحاجة لمزيد من البرامج والآليات الأحدث للتطوير الزراعي، وزيادة المنتج الوطني في الأسواق المحلية، ولدينا - ولله الحمد - إنجازات كبيرة على هذا الصعيد، ولكننا بحاجة إلى مزيد من التطوير والمجال متاح، لأن تظهر لدينا شراكات محلية وأجنبية للإنتاج الزراعي، ليس بالطرق التقليدية فقط، بل بالطرق الحديثة، والمجال - في الوقت الحاضر - متاح أكثر من أي وقت مضى.. كذلك فإننا نقع على ساحل طويل على الخليج العربي، وطموح قيادتنا الرشيدة هو أن تكون المملكة في المراكز المتقدّمة في موقع الإمداد اللوجيستي بين القارات الثلاث، وأعتقد أننا قادرون - بفضل الله وتأييده ثم بدعم قيادتنا الكريمة - على أن نصل إلى الأهداف المرجوة على هذا الصعيد، فضلاً عن الثروات البحرية الكثيرة التي لم يتم استغلالها بالكامل، إضافة إلى ميزة نسبية أخرى مهمة، مثل الجذب السياحي الذي توفره المناطق الساحلية في المنطقة.. الخلاصة أن المنطقة الشرقية تجمع بين الأصالة والحداثة، فلدينا مناطق تراثية ضاربة في عمق التاريخ، في الأحساء والقطيف والجبيل، ولدينا أحدث المصانع وأحدث التقنيات، وكلها مجالات متاحة للاستثمار.
* أنشأت غرفة الشرقية آليات وفاعليات عديدة، لتنمية المشاركة الاقتصادية لسيّدات الأعمال بالمنطقة، في مقدمتها مركز سيّدات الأعمال، كما تبنّت عديداً من البرامج والفعاليات لتطوير مشاركة رائدات العمل الحر ممن اتجهن للعمل الخاص.. كيف ترون سموكم هذا الأداء؟
- أشكر غرفة الشرقية، وكل جهة حكومية وأهلية، صغيرة أو كبيرة، تمنح الثقة في الشباب السعودي، وتتيح الفرصة للمرأة السعودية، لتمارس دورها في بناء مجتمعها، فالمرأة السعودية أثبتت كفاءة متميّزة في شتى المجالات، وفي مختلف المواقع، وبعضها على صعيد خارجي، وأن تقوم بعملها الخاص فهذا ليس غريباً على المرأة السعودية التي تملك المقوّمات، وحظيت بالتأهيل العلمي والعملي، وتملك من الكفاءات والقدرات ما يؤهلها للقيام بكافة الأدوار، التي كانت في وقت ما حصراً على الرجال. ولاشك أن برامج تدريب الفتيات والسيّدات التي تنظمها الغرفة من خلال مراكزها «النوعية»، واستهدافها تطوير قدرة المرأة على العمل الحر، وميلها إلى الاستثمار وإدارة الأعمال، سواء من خلال «مشروعك الصغير» أو من خلال «العمل التجاري من المنزل»والمعرض السنوي «صنعتي»، وغيرها من البرامج التي تسعى الغرفة عبرها إلى دمج طاقات المرأة ومهاراتها في اقتصاديات المنطقة الشرقية، إضافة إلى مدخراتها أيضاً، وهو ما يصب في خدمة الاقتصاد الوطني.
* ما تقييم سموكم لأداء مجلس شباب الأعمال، ومجلس شابات الأعمال، وما يتم في إطارهما من أنشطة وبرامج وفعاليات ومعارض وملتقيات، ونظرتكم لدور الشباب والشابات كمكوّن مهم في بناء القطاع الخاص في المستقبل؟ وماذا تنتظرون سموكم من هذه الشريحة الاجتماعية والاقتصادية، شباباً وفتيات؟
- إنني أتابع أداء مجلسي شباب وشابّات الأعمال، وأتابع ما يقومان به من أنشطة وبرامج وفعاليات، من أبرزها معرض وملتقى شباب وشابات الأعمال، إضافة إلى اللقاءات التي ينظمها المجلسان مع شخصيات وضيوف مهمين من سيّدات ورجال الأعمال للاستفادة من تجاربهم، ودورات تدريبية لروّاد الأعمال وصغار المستثمرين، وكلها تصب في تنمية مهارات وقدرات شباب وشابّات الأعمال، كما أنها تعدّهم للإسهام في مسيرة التنمية، وتطوير أداء اقتصادنا الوطني. هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى، فقد اطلعت على تقارير مجلسي شباب وشابّات الأعمال، ووجدت عديداً من الإنجازات التي تستحق الشكر والتقدير، وأجد أن هذه البرامج التي ينفذها المجلسان تُسهم إسهاماً بالغاً في تعزيز بيئة الاستثمار في المنطقة الشرقية خاصة، والبيئة الاستثمارية السعودية بشكل عام، إضافة إلى أن المشروعات التي يتبناها الشباب والشابّات من روّاد ورائدات المجلسين، تسهم بشكل أو بآخر في زيادة معدلات النمو الاقتصادي، وتعزيز عملية التوطين، وتوسيع القاعدة الاقتصادية للبلاد. كل هذه الجهود وغيرها ستكون دائماً موضع التقدير والشكر، وأدعو للمجلسين بالتوفيق والسداد، وأتمنى للأجيال الجديدة أن تستفيد من تجارب من سبقوهم في هذا المضمار.
* شكراً سمو الأمير
- شكراً، والله يوفق الجميع لكل خير.