رواية (حرب الكلب الثانية) للكاتب الفلسطيني إبراهيم نصرالله، صدرت في نوفمبر عام 2016 م عن الدار العربية للعلوم ناشرون بيروت.
مبهر ما وصل إليه الكاتب من الوعي والإبداع الذي مكنه من تجاوز الماضي بحيث يرى المستقبل ويكتب عنه ويبدع فيه وينتج رواية تدور أحداثها في واقع المستقبل, فإلى أي مدى نجح نصر الله حين اقتحم بقلمه غمار هذه الحرب؟
لقد حاول الكاتب أن يخلق مكاناً وزمناً مبتكرين إلى حد ما لكنه لم يستطع أن يبتكر قصة وأحداثا مختلفة فالأحداث تقليدية ومكررة.
كانت الأحداث تدور حول خيانة الرجل وتسلط القوى العليا والحاكمة بما وصفه بالقلعة مشيراً إلى حكومة ما، وإضرار الإنسان بالأرض والطبيعة وصراع العلاقات القائمة بين الرجل والمرأة.
انكشف للقارئ أن هذه الرواية تتكلم عن الحروب ولا غيرها وعن شيء من الحقب الماضية مع أن ظاهرها يتكلم في الزمن المستقبل للقارئ.. أنها رواية مليئة بالتشاؤم والنظرة السوداوية للمستقبل كما يحدث في الحروب, فهي رواية حرب وهمية كما يوحي به اسمها، ولم تكتب بذكاء، خصوصاً في تلك الأحداث التي تشعرك أن الكاتب لم يرهق تفكيره ولم يحاول التكهن بشيء مختلف أو غير متوقع, بل ظن أن العالم سيكرر نفسه ويصبح زمننا هذا زمنا جميلاً بالنسبة للأجيال القادمة كما نطلق عليه -نحن- عن الأزمان التي سبقتنا اسم (الزمن الجميل) مثل ذلك الموقف الذي ذكر فيه أنهم يستمعون إلى أغاني الزمن الجميل, أغاني الطفولة لشيرين ومحمد عساف، وأن السيارات باتت دليلاً دامغاً على تخلف أجداد أطفال زمن (حرب الكلب الثانية). وللأسف فإن هذا جعل الرواية تقبع في زمنها ولا تتحرك إلى المستقبل برغم محاولات نصر الله وتنبؤه بمستقبل تكنولوجي مرعب وخطير قد يتسبب في ضمور أعضاء الإنسان بسبب اعتماده الكلي عليها. وقد ظل الكاتب يتحدث للقارئ هنا مباشرة أثناء السرد, لكنه فصل القارئ عن الحدث حين تدخل فيه بشكل مباشر كما أورده في الهامش (ص 137) إذ قال «إن هذه الرواية قد تمنع بسبب الحديث عن الحروب»!!
ثم إن الكاتب نفسه أيضاً قد استخدم مصطلح ‹فلول› وهذا المصطلح خرج ودرج في أيام الربيع المقفر العربي، مما أوقع القارئ في شرك عدم التفريق بين الزمن الروائي والزمن الحقيقي للحدث والخلط بينهما رغم أنه يقصد الحديث عن المستقبل. أحداث الرواية وزواج البطل من أخت الضابط لم تذكرني سوى بمسرحية (ريا وسكينة) وأغنية ‹شبكنا الحكومة وبقينا قرايب›.
ما كتبه نصر الله مرعب عن مشاهد تصوير التلوث البيئي بأن الغربان تتساقط من السماء نافقة بأعداد هائلة وأن وزارة الصحة أصبحت تضع صهاريج أبخرة طبية تحد من روائح العفونة بسبب نفوق الكائنات.
الكاتب يرى أن المواقف التي يراها الكثيرون عادية وبسيطة هي أكثر بشاعة في الحقيقة مما نراها ومن المحتمل أن يؤدي إهمالنا للبيئة لما يحدث في روايته كنتيجة محتملة. الرواية تفتقد عنصر الإثارة والتشويق وتشعرك بعض الأحداث التفصيلية التي استغرقت صفحات كثيرة منها بالسرد الممل، وقد شفع لها عند المقيمين لجائزة البوكر -كما اعتقد- الفكرة والتي تمثلت لنا بأسلوب الكتابة عن الزمن المستقبل واستحضاره بطريقة كوميدية ساخرة سوداء وتشاؤمية، وما أراه أن الكاتب لم يتجاوز حاضرنا بل نجده في أحيان كثيرة قد غاص في الماضي.
وجب أن ننوه أن رواية حرب الكلب الثانية حاصلة على جائزة البوكر للرواية العربية عام 2018م.
** **
- رواسي الرشيدي