الإعلام هو «سيد» عناصر العملية الثقافية على الإطلاق؛ خاصة في عصرنا الحالي؛ حيث الثورة الإعلامية الرقمية؛ التي تتيح للمتصفح الاطلاع على الصحف والكتب والندوات والمحاضرات القديمة منها والحديثة دون عناء وخلال ثوان.
كما أن الأجهزة الرقمية والقنوات الفضائية الحالية توفر الفرصة للاطلاع على المادّة الإعلامية، بالصوت والصورة في البيت والشارع والمركبات ومحيط العمل بسهولة، بالإضافة إلى أن الأطفال يتعلمون استخدام الأجهزة الرقمية، على شكل ألعاب قبل بلوغ سن المدرسة.
هذا المشهد الإعلامي المتنامي في تأثيره تربوياً وتعليمياَ وسياسياً؛ وكذلك في تأهيل الكوادر البشرية، جعل من الإعلام في العالم أجمع «سلطة رابعة»، بل هناك من يصنفه كسلطة «أولى»، وتتوالى بعده بقية السلطات.
ومن هذا المنطلق بالذات تكون مهمة الإعلام -كعنصر من عناصر العملية الثقافية- مزدوجة؛ فهو ملزم بعملية تنمية الثقافة من جهة؛ وكذلك مهمة الرقابة والتقويم من جهة أخرى، وهاتان عمليتان متناقضتان إلى حد ما.
«التنمية الثقافية» كمهمة إعلامية بالدرجة الأولى تتطلب: «المهنية» والشفافية والمنهجية المنطقية في المسيرة الإعلامية، وهذا ما سنتحدث عنه عندما يجري الحديث عن «التأهيل» كعنصر من عناصر «العملية الثقافية» لاحقاً.
أما مهمة «التقويم» والرقابة فهي ضرورية وغاية في الصعوبة في آنٍ معاً، ولا يمكن إنجازها إلا بمؤسسة إعلامية غير فردية تكون موضع مساءلة في حالة إخفاقها.
فالتقويم يتجسد:
أولاً- في استيعاب «المرحلة التطورية» لهذا المجتمع أو ذاك، ومدى تلاقحها مع الثقافات الأخرى تاريخياً وجغرافياً، وبالتالي وضع «محور أو مَحاوِر» لتوجيه الإعلاميين لما هو ضروري وغير ضروري من المواضيع الإعلامية قبل إنتاج العمل الصحفي.
ثانياً- أن تكون المادّة الإعلامية بمثابة «بحث» أو مرشدة لعدّة «بحوث» تتناول الحاجة المجتمعية الاستراتيجية والمرحلية، ولا أريد هنا أن ألغي دور «الخواطر» الأدبية، فهي مادّة إعلامية لا يستهان بدورها المحفز للمعرفة، ولكنها ليست أساسية في المسيرة الإعلامية العامة للمجتمع.
ثالثاً- الإنتاج الإعلامي المستند إلى «مَحاوِر» والمؤسس على مضمون «بحثي» يُلْزِم المؤسسة الإعلامية المُشْرِفة على ذلك الإنتاج، أن تتعاون مع الجامعات والمؤسسات التعليمية الأخرى ونشاطات المجتمع المدني لتحقيق مسيرة إعلامية ناجحة.
رابعاً- المهمة الرقابية للمؤسسات الإعلامية ضرورية وليست عبثاً -كما يحلو للبعض أن يراها، وذلك لعدّة أسباب وهي:
1- إذا كانت المهمة تجسيداً لمحاور، فالأجدر أن يكون الإنتاج الإعلامي مسايراً للحاجة المجتمعية لتلك المحاور. وهذا لا يعني أبداً تقييد «صارم» للإنتاج الإعلامي!، إنما هو توجيه تفرضه الضرورة المجتمعية.
2- إذا كان الإعلام موجه للمتلقي، أي المجتمع، فلا يجوز استخدام أي مساحة إعلامية بهدف شخصي كتراشق الشتائم البذيئة أحياناً، للحط من قيمة هذه الشخصية أو تلك. كما أنه لا يجوز تبادل المديح أيضاً على مبدأ (امسك لي وأقطع لك) من أجل «المجد الشخصي»، ففي نهاية المطاف الإعلام حق للمجتمع وليس للفرد.
3- لا يمكن نكران وجود إعلاميين محترفين وآخرين هواة، وإذا كان الهواة أمثالي يشذون عن المحور الإعلامي العام فلا بأس، ولكن المطلوب من الإعلاميين المحترفين أن يكونوا «مهنيين» قدر الإمكان من أجل إنتاج مرموق وفعال اجتماعياً.
ما جرى الحديث عنه هو مهمة الإعلام كعنصر من عناصر العملية الثقافية فقط، وليس كل مهمات الإعلام الأخرى المتعلقة بحقيقة الأحداث الاجتماعية والسياسية والفنية... الخ.
** **
- د. عادل العلي