أكتوبر في يومه السادس من كل عام، يستذكر العرب فيه ملحمة العبور العظيمة لخط بارليف، كان عبورا نحو الكرامة والعزة قبل أن يكون وصولاً للضفة الأخرى من الأرض المحتلة.
في هذا العام2018 وفي أكتوبر وأوائل فبراير، خفت صوت الاحتفال بهذا العبور بعد نكسات الغرق التى اعترت عواصم خليجية وعربية عدة، فمن الدوحة إلى جدة وصولاً إلى المنامة والكويت وعمّان،كان الجميع يرصد تراتيل الغرق، خاصة في أغلى المدن العربية وأكثرها نماء.
في أكتوبر عام 1973 كان عبوراً فوق الماء ونجاة من غرق، واليوم هو غرق وفشل في العبور نحو تنمية شاملة مستقرة ومستدامة.
القطريون في الدوحة يتفاخرون ببنيتهم التحتية في عاصمتهم الصغيرة، ويختالون ويخاتلون، بما وصلوا إليه من تقدم إسمنتي وإسفلتي خول دوحتهم لتكون مضماراً لكأس العالم القادمة، ويخاتلون العالم -أحياناً- بعد نكسات الغرق الأخيرة أنهم ما زالوا قادرين على الصمود في وجه كل موجات الماء والصقيع والبردِ والبرد.
ولأن الدوحة تؤمن بالرأي والرأي الآخر، فإن الفساد بأن عواره في مشاريعهم التنموية، وأن مقولة أعلى مستوى دخل للفرد بات يقابلها فساد على مستوى الأرض ما خفي منه وما ظهر، وما استطال منه وما قصر.
ما وراء الغرق على طريقة ما (وراء الخبر)
يقول إن الفساد بات يضرب بأطنابه في دوحة (الخير) والتي يبدو أنها إن لم تُتدارك، ستصبح دوحة غرق وتراتيل حزن وأرق.
الكويت، ما زالت تعيش مآسي طوفان المطر الأخير، ووزير أشغالها لم يحتمل صدمات الغرق، فقرّر الإبحار نحو شطآن النجاة، مستقلاً ومستغلاً الاستقالة كمركب طوارئ ونجاة وهرب.
يحسب للسعودية وحراكها الداخلي أنهما يعترفان بالفساد ويريانه العدو الأول للتنمية، فيما الدوحة تستتر وراء أرقامها الفلكية وإعلامها المستأجر، حتى في حصادها الليلي ،ُيتجاهل الخبر وتظل الدوحة أسيرة للفزع مع كل بارقة برق أو سحابة تمخر عباب الأجواء مؤذنة بأنشودة غرق جديدة.
الفساد موجود في كل مكان، العواصم الخليجية الأكثر غنى وتطورا ليست الاستثناء، والعواصم العالمية ليست القاعدة ،وثقافته موجودة تضرب بأطنابها كل أشكال المشاريع والبنى التحتية، والمطر هو المدعي العام الذي يكشف عوار هذه المشاريع ويدَّعي على منفذيها والعاملين عليها في محاكم التاريخ ليصدر احكامه عليهم بالفشل.
ثقافة الفساد تزدهر عندما يزداد حجم الإنفاق بدون رقابة، وتزدهر عندما لا يفعّل السؤال المعروف من أين لك هذا يا هذا؟!
محاربة الفساد تبدأ أولاً بتوصيف دقيق لفاعله وكاتبه وشاهده والساكت عنه والمستفيد منه، يبدأ بالمستفيد الأول متجهاً إلى القاع وعالمه الخفي، وهذا شأن الإنسان والمجتمع أولاً قبل أن يكون مسؤولية جهات رقابية تتقصى وتبحث وتعاقب، ثم يأتي دور المنابر الحقيقية التي تتعاطى الفساد كجريمة قبل أن يكون سبقاً خبرياً في صحيفة أو محطة فضائية.
يخطئ المثقف عندما ينزوي عن هموم مجتمعه ،فيتجاهل التعاطي مع هكذا أحداث ويرى قلمه أرفع من أن يكتب عن هذه المشاهد الأليمة، فالمثقف هو لسان الحال وهو المدعي الأول الذي يطرح القضايا ويعريها أمام المسؤول، أما الانزواء خجلاً فهو هروب إلى الخلف وتمترس حول رتابة ملها المجتمع وثقافته الجديدة.
ثقافة الفساد هي الأكثر تنفذاً في عالمنا العربي، ومن الخطأ حصرها في مشاريع التنمية فقط، فالشواهد تقول إن الموظف الذي لا يحضر في موعده هو صورة من صور الفساد، وأن المعلم الذي يبخس طلابه حقهم في التعلم على أكمل وجه هو فاسد بمقاييس الفساد، وأن الطبيب الذي يمارس العمل في العيادات الخاصة على حساب عمله الرسمي هو فاسد ينبغي ردعه ومعاقبته.
الفساد صور كثيرة ومعان متعددة ونتيجته واحدة، الخراب والدمار للإنسان والمجتمع .
** **
- علي المطوع