د. محمد بن إبراهيم الملحم
كلنا نعرف هذه العبارة ونعرف من هي هذه الفئة، أو الفئات في الواقع، فبجوار ذوي الاحتياجات الخاصة هناك ذوي الظروف الخاصة أيضا (الأيتام ومجهولو الأبوين)، وكثيرا ما تتردد هذه العبارة في التصريحات والمقابلات الإعلامية، ولكن السؤال المهم هنا هو إلى أي مدى هي غالية على قلوبنا؟ سأقدم لكم نماذج من ممارسات شائعة وبعدها نحاول الإجابة على هذا السؤال، عندما يتبرع أحدهم بمقر أو بتجهيزات أو بأي شيء تجده يخرج على الشاشة بجوار ما تبرع به ليقول كلمة توضح أهمية العمل الخيري وأنه عنده بدرجة الواجب لا النافلة... وخاصة في حق هذه الفئة «الغالية على قلوبنا» وإلى هنا وهذا السيناريو مقبول، بل محبذ ليحث الآخرين من أقرانه من الأثرياء على اتباع نهجه، ولكن السؤال الكبير هو لماذا أيتها المؤسسة التي ترعى الفئة الغالية تأتين بعشرين أو ثلاثين من هذه الفئة (وغالبا يكونوا أطفالا) ليقفوا في الصورة! لماذا نعطيهم ونمنحهم بعد أن نصور معهم ونفرج الناس عليهم وعلى صدقاتنا لهم!
صورة أخرى: كنت في فندق مميز في أحد مدن المملكة الحبيبة في اليوم الوطني وكان الفندق يحتفل بهذا اليوم البهيج بعدة أمور منها العرضة وتوزيع الكعك والزينة المنتشرة بكل مكان، ثم دخلت مجموعة من أطفال «الفئة الغالية» وقد ألبسوهم صديرية فوق الثياب كتب عليها من الخلف وبخط كبير واضح جمعية كذا لرعاية الأيتام، لماذا؟ لا أقول لماذا يشاركون... بل جميل جدا أن نخرجهم من دار الرعاية التي ينظرون إليها أحيانا كأنما هي سجن فمهما كانت جميلة وراقية فليس لديهم غيرها (لا بيوت جيران لا بيوت أقارب) وجميل جدا أن نجلبهم إلى الفندق ليفرحوا مع الناس ولكن لماذا نشهرهم أنهم «أيتام» أنهم فئة العطف والرعاية أنهم الفئة المغلوبة على أمرها أنهم «الفئة الغالية على قلوبنا»؟ وحسب فهمي القاصر فإن وضع هذه اللافتات هدفه إعلامي حيث تلتقط كاميرا فريق التصوير الذي كان يوثق المناسبة بكل جد ونشاط أن الفندق المميز وأن المؤسسة المحترمة لرعاية اليتام أسعدوا هؤلاء الفئة الغالية في ذلك اليوم وما قصروا! السؤال الآن هو من الأغلى «الفئة الغالية» أم التقرير الإعلامي؟ أعذروني فلا أملك قدرة على التمييز هنا؟ ولا أدري ماذا لو أنهم أتوا بهم بملابسهم العادية كأنهم طلاب إحدى المدارس دون تلك الكتابة هل كانت فرحة «الفئة الغالية» ستنقص!
صورة ثالثة: عندما تزور دور رعاية الأيتام (أو ذوي الظروف الخاصة) ويشرح لك المسئول عن الخدمات التي تقدم لهم والاهتمام الكبير والعطاء والتسهيلات وما إلى ذلك ويكون هذا الحديث أثناء جولته بك في غرف وجهات المبنى المختلفة، ويكون ذلك كله يمس أسماع المستفيدين من الخدمة «الفئة الغالية» وأظن (وليت يخيب ظني) أن ذلك أيضا يمس قلوبهم، ولكن هل يملكون أن يظهروا هذا الشعور ويبيحوا به! المؤسسات التي تقوم على ذوي الظروف الخاصة وذوي الاحتياجات الخاصة بحاجة إلى أن تحسن انتقاء مسئوليها وخبرائها ومن يقومون على «الفئة الغالية» بحيث يكونوا فعلا لا أغلى منهم على القلوب ويكون هؤلاء المسئولين مرهفي الحس نحو «الفئة الغالية» أكثر من رهافة حسهم نحو كاميرا التلفزيون وميكرفون المذياع.