د. محمد بن إبراهيم الملحم
قرار وزارة التعليم الصادر مؤخرا حول السعودة الإلزامية لجميع وظائف أعضاء الهيئة الإدارية في المدرسة الأهلية مثل وكيل المدرسة والمرشد الطلابي قرار جيد وينم في ظاهره عن نوايا تحسينية للجودة النوعية للعملية الإشرافية على هذه المدارس، بيد أني لا أجزم بالضبط ما الهدف الرئيس أهو مجرد السعودة للسعودة أم هناك نظرة نحو جدية الموظف السعودي التربوي في رفع انضباط المدرسة وتحسين عملياتها الإشرافية مقارنة بغير السعودي! وإذا كان الأمر هو الأول فهذه متلازمة وزارة العمل التي لا أريد التعليق عليها هنا حتى لا أتهم بأني ضد توظيف المواطن وتسهيل حصوله على الوظيفة (أيا كان الثمن!)... أما إن كان السبب هو الأمر الثاني فلابد من التفصيل وبسط الأمر للقارئ الكريم (لا للوزارة لأني لا أشيع هنا سرا خفيا عنها) ولتبسيط الأمور فأقول إن هذا القرار في سياقه الطامح للجودة النوعية أعاد للأذهان قرارا قديما مشابها له عندما ألزمت وزارة «المعارف» جميع المدارس الأهلية بأن يكون مدير المدرسة سعوديا فقط، وفي تلك الفترة لم تكن هناك معزوفة اسمها «السعودة» فالهدف كان واضحا والأمور غير مختلطة، لقد أدرك الجميع حينها أن الوزارة ومن خلال متابعتها المستمرة لأداء المدارس الأهلية وجنوح عديد منها نحو سوق ما يشبه دكاكين الشهادات بإنجاح الطلاب وانتشار مظاهر الإهمال والتسيب في طلاب بعض المدارس بينما كانت المدرسة الأهلية قبل ذلك مضرب المثل في الجودة والتميز دون تردد، فبادرت الوزارة بهذا الإجراء لتقمع به هذه التصرفات التجارية ويعمل «موظفوها» المكلفون كمدراء للمدارس الأهلية على «ضبط الجودة» بطريقة الوزارة وروحها وتوجهها لا بأي توجه يمليه التاجر (عفوا مالك المدرسة!)
مرت التجربة وشاهدنا آثارها الإيجابية ذلك الوقت بشكل جيد لاسيما أن ذلك العصر كان فيه «تطبيق النظام» وحب الانضباط لا تزال بقاياه في نفوس منسوبي الوزارة، مرت الأيام ثم توجه بعض تجار المدارس (عفوا مرة أخرى ملاك المدارس) لمعالي الوزير وطرحوا في أكثر من لقاء رغبتهم أن يعينوا هم مدير مدرسة سعودي من طرفهم، وهنا حافظوا على روح القرار الجديد مع تحقيق مصالحهم الخاصة التي تعرفونها جميعا، ومع الأسف استجابت لهم الوزارة (وليتها لم تفعل) فبدأت سلسلة السبحة تنفلت حباتها مرة أخرى بل هذه المرة انفلتت بسرعة حتى خرت جميعا ولم يبق إلا الخيط (وأظنه أكلته العته في سنواتنا الأخيرة) مضى التجار أكثر من ذلك فراحوا يغدقون على المدير الذي تكلفه الوزارة بمكافأة إضافية فوق راتبه وتمنحه سيارة يتنقل بها طوال فترة خدمته لديها ، وتعال تفرج على النتائج ودلال الطلاب ودلعهم في هذه المدارس «النموذجية». تجولت كثيرا كمشرف بين المدارس الأهلية وأشرفت على بعضها في فترات الاختبارات ورأينا أشكالا وألوانا: طلاب ثانوية يتسامرون في جلسة وناسة بآخر الفصل بينما المعلم يشرح، طالب متوسطة يحضر المدرسة الساعة 10 دون أي سؤال أو جواب، معلم يعدل إجابات الطلاب في الأوراق (يمسح الخطأ ويضع بدلا عنه الصح)، طالب الصف الخامس لا يحسن القراءة والكتابة، وقد نقل لي مؤخرا عن طلاب بنفس المستوى لا يفرقون بين بعض الحروف، بل نقلت لي معلمة عن طالبات يضربن بالدف ويتسامرن أثناء شرح المعلمة، لم أصدق أبدا لولا أن هذه المعلمة ثقة عندي تماما. رأيت وشاهدت بعيني في مدارس البنين ولكن أن يصل أمر هذا الانفلات إلى مدارس البنات (رمز الانضباط والجدية التعليمية) فهي طامة كبرى، وأريد أن تعلموا أني لا أستشهد هنا بمدارس أي كلام بل بمدارس ذات أسماء مرموقة في مدنها التي هي فيها. هل هذا مؤلم؟ دون شك هو مؤلم لأننا عندما نتحدث عن القطاع الخاص فهو أملنا في تحسين الجودة في كل مجال من المجالات وعلى رأسها التعليم، سأتحدث عن مقترحي لتجويد هذا القرار مع إعجابي به وتأييدي له وشكري الجزيل لوزارتنا العزيزة على إصداره.