«الجزيرة» - جمال الحربي ومحمد العمار:
أكد مختصون اقتصاديون على الانعكاس الإيجابي الكبير الذي ستعكسه أرقام ميزانية العام 2018 التي أقرها مجلس الوزراء ، معربين عن أن الأرقام فيما يتعلق بالإنفاق الحكومي الرأسمالي والبالغ 1.1 تريليون ريال شكلت مفجأة للأوساط الاقتصادية إذ اعتبروه تاريخيا وغير مسبوق، إذ يعد الأضخم في تاريخ المملكة، لافتين إلى أن هذا الإنفاق يعكس توجه الدولة لدعم نمو الاقتصاد وتنويع مصادر الدخل وتحفيز القطاع الخاص، استنادا إلى رفع حجم الإنفاق الاستثماري المتوقع إلى 338 مليار ريال.
وأشار الاقتصاديون إلى أن القطاع الخاص بات أمام امتحان صعب فإما مواكبة التطورات الاقتصادية وتغيير طريقة التفكير والنمط والتوجهات الاستثمارية التوسعية، وإما أن تختفي كيانات تجارية في ظل المنافسة، ولاسيما وأن عصر التحفيز التقليدي انتهى مع بدء مرحلة جديدة سيكون التحفيز الحكومي بطرق وأساليب مختلفة لا ترتكز على دعم أسعار الطاقة أو إعفاءات جمركية أو خدمات مجانية وشبه مجانية من الحكومة.
وقال المستشار المالي والمصرفي فضل البوعينين أنه برغم تدني أسعار النفط وسياسة خفض الإنتاج، وتكاليف الإصلاحات الاقتصادية، إلا أن ميزانية العام 2018 حملت مفاجأة سارة في حجم الإنفاق المعتمد من قبل الحكومة الذي بلغ 978 مليار ريال، إضافة إلى الإنفاق الموازي من الصناديق التنموية وصندوق الاستثمارات العامة المقدر بـ 133 مليار ريال، أي أننا نتحدث عن إنفاق ما يقرب من 1.1 تريليون ريال؛، وهو الإنفاق الأضخم في تاريخ المملكة من حيث الاعتمادات الأولية التقديرية في الميزانية، وليس الأرقام النهائية التي عادة ما ترتبط بمتغيرات الدخل خلال السنة المالية.
وأضاف البوعينين أن المحلل لبيانات الميزانية يجد فيها الكثير من المؤشرات الإيجابية، وهي مؤشرات لم تكن لتحدث لولا الله أولا، ثم الإصلاحات الاقتصادية المنفذة التي بدأت تعطي بعض ثمارها اليوم، ومن المتوقع أن تستمر نتائجها الإيجابية خلال السنوات القادمة بإذن الله، ما ينعكس إيجابا على المواطنين والخدمات المقدمة لهم، والاقتصاد الوطني بشكل عام.
ولفت إلى أنه من خلال الإنفاق التوسعي يمكن قراءة الأهداف التي تسعى إلى تحقيقها الحكومة والمتمثلة في دعم النمو الاقتصادي وتنويع مصادر الدخل وتحفيز نمو القطاع الخاص؛ وبخاصة المنشآت الصغيرة والمتوسطة؛ الأكثر توليدا للوظائف. التركيز على تحفيز القطاع الخاص تنوع بين حزم التحفيز؛ و التشريعات الداعمة له؛ إضافة إلى المشروعات الضخمة التي ستولدها الميزانية والتي سيكون القطاع الخاص الأكثر استفادة منها. إضافة إلى ذلك تمضي الحكومة في نهجها لتعزيز الشفافية وتحقيق هدف كفاءة الإنفاق وبناء نموذج جديد للميزانية يسمح بتحقيق الأهداف المرسومة؛ ومنهجية أولوية الإنفاق وأهميتها؛ والشراكة بين المالية والجهات الحكومية المستفيدة لتحقيق هدف المواءمة بين الإنفاق من جهة ودعم النمو والتنمية الاقتصادية والاستدامة المالية.
وأردف البوعينين: لم تكن المفاجأة في حجم الإنفاق فحسب، بل وفي حجم الإنفاق الرأس مالي الذي بلغ 205 مليار ريال، أي ما يعادل 21% من حجم الإنفاق المعتمد في الميزانية، إضافة إلى 133 مليار ريال المتوقع ضخها من خلال الصناديق التنموية وصندوق الاستثمارات العامة، ما يرفع حجم الإنفاق الاستثماري المتوقع إلى 338 مليار ريال، وهو حجم إنفاق كبير سيسهم في استكمال مشروعات التنمية وتسريع دوران عجلة الاقتصاد وتحفيز قطاعاته وخلق فرص أمام القطاع الخاص. يمكن القول أيضا أن منفعة 338 مليار ريال؛ التي تمثل الإنفاق الاستثماري؛ ستتضاعف مقارنة بالأعوام الماضية كنتيجة مباشرة لتحقيق كفاءة الإنفاق؛ وتعزيز النزاهة ومكافحة الفساد.
وقال إن الميزانية ما زالت تركز بشكل أساسي على المواطن؛ محور التنمية والإنفاق؛ فقطاع التعليم سيستأثر بما يقرب من 20% من الميزانية بحجم إنفاق قدر بـ 192 مليار ريال؛ وكذلك القطاع الصحي بنسبة 15% بحجم إنفاق 147 مليار ريال؛ والتجهيزات الأساسية والنقل بنسبة 6% والخدمات البلدية بنسبة 5%. كما أن قطاع الإسكان الأكثر أهمية للمواطنين استأثر ببرنامج متكامل ودعم من الصناديق التنموية.
وأضاف من خلال آلية الإنفاق الرأس مالي؛ نجد أن التنوع في مصادر الإنفاق سيسهم في استدامته وتعزيز حجم الإنفاق؛ ويحقق الكفاءة الاستثمارية في القطاعات المستهدفة بالتنمية؛ إضافة إلى التنوع الاستثماري الذي سيعزز جميع القطاعات الاقتصادية دون استثناء. دخول الصناديق الحكومية في خطة الإنفاق المستقبلية تحول يستحق الإشادة والتنويه؛ لدور هذه الصناديق في التنمية وتعزيز النمو وخلق شراكات قادرة على جذب أموال أكثر وضخها في الاقتصاد.
مبينا ان ارتفاع نسبة الإيرادات غير النفطية في العام 2018 مقارنة بالدخل الكلي بنسبة 37% لتصل إلى 291 مليار ريال من الإيجابيات التي تضمنتها أرقام الميزانية؛ فهو مؤشر لكفاءة الإصلاحات الاقتصادية؛ ولتحقيق التوازن مستقبلا؛ وتنويع مصادر الدخل الحكومي.
مشيرا الى أن ميزانية العام 2018 استمرت في الخفض الممنهج للاعتماد على الإيرادات النفطية بهدف الاستمرار في تحقيق الإصلاحات الاقتصادية وتنويع الإيرادات؛ وبالعودة لتمويل الميزانية نجد أنها ستأتي من ثلاثة مصادر رئيسة الإيرادات النفطية؛ الإيرادات غير النفطية التي نمت بشكل مؤثر؛ أرصدة الحكومة والدين العام. الارتفاع التدريجي للدين العام بدءا متوافقا مع رؤية الحكومة في رفع نسبته ليصل تدريجيا إلى 30 % من الناتج المحلي الإجمالي بهدف الاستفادة القصوى من الإمكانات المالية المتاحة لتسريع عجلة التنمية والبناء والنمو. قد تختلف فلسفة التعامل مع الدين العام؛ وانعكاساته الإيجابية والسلبية؛ إلا أن المتغيرات الاقتصادية والنقدية تستوجب أخذها في الاعتبار حين اتخاذ قرار التوسع في الاستدانة. وبالرغم من ذلك فما زالت نسبة الدين العام للناتج المحلي منخفضة مقارنة بالمعايير والنماذج العالمية؛ حيث بلغت نسبته بنهاية العام الحالي 17%، ومن المتوقع ارتفاعها إلى 21% بنهاية العام 2018 ليصل حجم الدين العام إلى 555 مليار ريال.
وأوضح ان خفض العجز من الأهداف البارزة للحكومة وهو ما نراه من خلال الأرقام المعلنة، ومن الجميل أن يكون هناك منهجية لتقليص العجز للسنوات الخمس القادمة؛ وهي الفترة المحددة لتحقيق التوازن المالي.
مشيرا إلى نسبة النمو المتوقعة في العام 2018 والمقدرة بـ 2.7%، وهي نسبة طموحة إذا ما تمت مقارنتها بنسبة النمو الحقيقية للعام 2017 التي بلغت 0.5 -%، أما نسبة نمو القطاع غير النفطي المحددة بـ 3.7% فهي محفزة بالفعل؛ وتؤكد على التفاؤل بإيجابية الإصلاحات الاقتصادية وأهمية الإنفاق في دعم القطاعات غير النفطية ومساعدتها على النمو. وهذا يقودنا للتركيز على برامج التحفيز للقطاع الخاص والفرص التي ستوفرها الحكومة العام 2018 المعززة للقطاع الخاص على وجه الخصوص.
من جانبه قال الاقتصادي محمد العنقري: إن الميزانية التوسعية لعام 2018 التي أقرها مجلس الوزراء أمس تهدف إلى رفع النمو الاقتصادي من خلال التوسع في الإنفاق الرأسمالي لجذب الاستثمارات ولتوليد فرص العمل وهي تعبير عن بداية نمو وثورة اقتصادية جديدة بعد عامين من تراجع أسعار النفط، وهي تتميز بأساليب وطرق جديدة للإنفاق لرفع مساهمة القطاع الخاص في النمو الاقتصادي وزيادة الطاقة الاستيعابية في الاقتصاد.
وأضاف العنقري: إن توجهات الموازنة العامة للعام القادم نحو تحفيز النمو الاقتصادي تمثل بداية دورة اقتصادية صاعدة جديدة بعد عامين من مواجهة التحديات الناجمة عن تراجع اسعار النفط وتذبذبها الحاد الذي اثر على الإيرادات العامة وعلى خطط الإنفاق الحكومي عموماً باعتبار ان التحوط والحذركان ضرورياً حتى تستقر اتجاهات سوق النفط وتبدأ برامج الهيكلة الاقتصادية الهادفة لرفع الإيرادات العامة غير النفطية بظهور تأثيرها بنسبة الإيرادات والتي ارتفعت بمستويات جيدة وساهمت مع بقية الإصلاحات برفع كفاءة الأداء من حيث تحسن الإيرادات وترشيد النفقات. وتساءل العنقري: لكن هل سيبقى القطاع الخاص الذي ينعكس فيه تأثير الإنفاق الحكومي بنسبة كبيرة جداً ينتظر ما تحمله الموازنات العامة بالمستقبل دون أن يتحرك ليلعب دورا رئيسيا في قيادة النمو الاقتصادي بعيداً عن تاثير النفط والانفاق الحكومي؟.
وأردف العنقري: إن الاعتماد الطويل الأمد من قبل القطاع الحاص على إنفاق الحكومة ساهم في تراجع تنافسيته وعدم تطور أدائه نحو الابتكار والتطوير والإبداع ولعب دورا أكثر ريادية في قيادة النمو الاقتصادي ومنافسة الحكومة على الطلب بالسوق المحلي واستغلال الفرص المتاحة دون ان ننسى تأخر بعض التشريعات والأنظمة سابقاً التي ترفع من دور القطاع الخاص بالتنمية كنظام الرهن والتمويل العقاري الذي لم يعتمد الا من فترة تعد قصيرة قياساً بدول عديدة اعتمدته من عقود اضافة للبيروقراطية بإصدار التراخيص، لكن مع الإعلان عن رؤية المملكة 2030 والبدء بتنفيذ برنامج التحول الوطني الذي يهيئ الاقتصاد لمرحلة جديدة، الدور الابرز فيها أن القطاع الخاص سيكون الامتحان صعباً عليه لأنه إما أن تختفي الكثير من المنشآت اذا لم تبادر لاقتناص الفرص وتغيير نمط أعمالها وطريقة تفكيرها بالنمو وتوجهاتها الاستثمارية والتوسعية نحو القطاعات المستهدفة حالياً ومستقبلاً او انها ستنتقل فعلا لمواكبة تطورات الاقتصاد اذا أيقنت بأن عصر التحفيز التقليدي انتهى والانتقال بدأ لمرحلة جديدة سيكون التحفيز الحكومي بطرق واساليب مختلفة لا ترتكز على دعم اسعار الطاقة او إعفاءات جمركية او خدمات مجانية وشبه مجانية من الحكومة.
وقال العنقري: القطاع الخاص المحلي لن تنافسه الحكومة بالتنفيذ والإدارة كما كان سابقاً فمع الخصخصة سيكون الدور الرسمي إشرافي اورقابيا، فمن سيكون المنافس لقطاعنا الخاص؟ إن الجواب عن هذا السؤال قد يكون سهلاً ويتمثل في ضخ التمويل للشباب المتعلم لإنشاء مشاريع صغيرة تقوم على الابتكار لتكبر وتصبح كيانات تقود عجلة الاقتصاد مستقبلاً لكن ذلك ليس كافياً خصوصاً ان رؤية المملكة امامها تحدي الزمن للوصول لاهداف الرؤية والمتبقي منه حوالي 13 عاماً وهي مدة قصيرة من الواضح انه يتم اختزالها بإنشاء كيانات كبيرة بمشاركة حكومية عبر صندوق الاستثمارات العامة بالإضافة لمنح رخص كاملة لشركات اجنبية عابرة للقارات من مختلف الجنسيات وهو ما تم خلال العامين الماضيين من عقد مؤتمرات لجذب الاستثمارات للمملكة محلياً وعالمياً بجولات عديدة قام بها المسؤولون في الملف الاقتصادي لبحث فرص التعاون والاستثمار المباشر بالمملكة مع تلك الشركات والتي تتنافس الكثير من الدول لجذبها لتوطين التقنية فيها والنهوض بصناعاتها وخدماتها واستثمار مواردها وهي من أبرز مظاهر العولمة، وتم بالفعل تطوير الكثير من الأنظمة لجذب تلك الشركات والتي حصل بعضها على رخص كاملة مما يعني ان القطاع الخاص المحلي بشكله الحالي يواجه تنافسية قوية بالمستقبل ليبقى هو الاكثر تأثيرا بالنمو الاقتصادي.
وأردف العنقري: مما لا شك فيه أن القطاع الخاص المحلي خدم الاقتصاد الوطني لسنوات طويلة وبعض المنشآت حققت ريادة عالمية لكن بالمجمل فإنه مازال يعتمد على الانفاق الحكومي اوالتحفيز والدعم لأسعار الطاقة واللقيم والإعفاءات والتسهيلات بمختلف انواعها، وهذا ما سينخفض تأثيره جدا مستقبلا مع استكمال الهيكلة الاقتصادية مما يعني ان التنافس سيكون صعبا اذا لم يبلغ سن الرشد ويدرك هذا القطاع المهم ان المنافس له كيانات متعددة بتركيبتها ولكن المؤكد انها ذات امكانيات وخبرات عالية وعالمية فإما ان يدرك معنى هذا التحول والانتقال لاقتصاد منتج تنافسي اوتختفي الكثير من الكيانات القائمة حالياً لأنها لم تواكب التطور والانتقال لعصر اقتصادي جديد.