«الجزيرة» - وحدة الأبحاث والتقارير الاقتصادية:
أطلق خادم الحرمين الشريفين موازنة تاريخية للعام الجديد بإنفاق حكومي بقيمة 978 مليار ريال، وهي القيمة الأعلى في تاريخ المملكة، معلنا بداية عهد جديد للدولة السعودية الحديثة المستقلة عن اضطرابات الأسعار العالمية للنفط. بإيرادات حكومية غير نفطية لأول مرة تقدر بـ97 مليار ريال، تستقيها الدولة من المصادر التقليدية المتعارف عليها كحق الدولة على المواطن أو القطاع الخاص أو اي رسوم غيرها. لأول مرة تظهر بالموازنة السعودية بالإيرادات الأخرى متضمنة الإيرادات النفطية، وتظهر الإيرادات التقليدية المضمونة والمتوقع تحصيلها حسب متغيرات وعناصر محلية وداخلية.
ورغم أن حجم الإيرادات المتوقعة لـ2018 لم يتجاوز 784 مليار ريال، وهو رقم لا يوازي أرقام الميزانية الفعلية في 2012 والتي بلغت 1240 مليار ريال، إلا ان حدوث مثل هذه الأرقام والاستدلال بها لا يمثل استقرارا حقيقيا أو مستداما للمملكة، لأنها كانت تعتمد على مورد خارجي، ولا يرتبط بالواقع السعودي، وهو الأسعار العالمية للنفط، ذلك المورد الذي يجعل الدولة في حالة لا استقرار دائم كونه عنصرا حساسا للغاية لعشرات بل مئات المتغيرات العالمية.
وإن شئنا لبدأنا مع تاريخ 2015، ولتوقعنا حدوث تحسن كبير في الإيرادات الحكومية سواء المقدرة أو الفعلية خلال الأربع سنوات الأخيرة وهي السنوات التي تعتمد مبدأ التنمية المستدامة القائمة على واقع سعودي- سعودي.
فالإيرادات المقدرة بالموازنات السعودية الجديدة بدأت تحقق ارتفاعا حقيقيا ومتزنا ومتزايدا عبر السنوات 2015 و2016 و2017 و2018، بقيم معقولة، حيث تدرجت الإيرادات من 514 مليار ريال في 2016 إلى 692 مليار ريال في 2017، ثم حققت قفزة إلى 784 مليار ريال في 2018، والأخيرة تعتبر انجازا حقيقيا للحكومة في خضم فترة تصر فيها على الاستدامة بعيدا عن الاعتماد على موارد الظل النفطية التي قد تأتي وقد لا تأتي.
أيضا أحرز الانفاق الحكومي تطورا ديناميكيا محمودا وإيجابيا، حيث بدأ يخطو من 840 مليار ريال في 2016 إلى 890 مليار ريال في 2017، والآن يحقق قفزته الحقيقية الكبرى بنحو 978 مليار ريال.
أما بالنسبة للميزانية الفعلية لـ2017، فقد حققت المملكة انجازا استثنائيا وهو أنها أنفقت حكوميا وفعليا حوالي 926 مليار ريال، وهو مستوى يقترب من أعلى مستوى للانفاق الحكومي للحكومة في 2014 (بقيمة 1100 مليار ريال) رغم الفارق الكبير في الأسعار العالمية للنفط والتي بلغت حوالي 102 دولار للبرميل حينها، والآن هي لا تتجاوز 53 دولاراً للبرميل.
إنها معادلة صعبة حققتها الحكومة بعيدا عن مغبة الاسعار العالمية للنفط، وانفقت 926 مليار ريال في ظل واقع منخفض لأسعار النفط اعتمادا على مواردها الذاتية.
ورغم الواقع الذي تجاهد فيه لتدبير موارد حكومية بعيدا عن العنصر التقليدي، فإنها خصصت 192 مليار ريال للانفاق على التعليم من موازنة 2018، بنسبة 24% من إجمالي إرياداتها المتوقعة، ونحو 147 مليار ريال للانفاق على الصحة، إنها دولة المواطن حقا لكي تنفق حوالي 339 مليار ريال للانفاق على المواطن مباشرة (صحة وتعليم).
الحكومة في أرقامها أعطت اشارة البدء للقطاع الخاص لكي يتولى دور المسئولية للأخذ بذمام المبادرة، وترى «وحدة ابحاث الجزيرة» أن موازنات السنوات المقبلة ستكون أكثر من توسعية، ولكنها هذه المرة توسعية مستدامة، وليست توسعية مؤقتة، إن استطاع القطاع الخاص تحقيق المناط به. وتشير الدلائل الى أن القطاع الخاص والإيرادات غير النفطية عموما بدأت بالفعل تتحرك بشكل ديناميكي لكي تحقق قطاعات صناعية بعينها نموا ملفتا.
إن المبدأ الرئيس الذي تقوم عليه المعادلة الاقتصادية السعودية الآن هو نمو حقيقي في القطاع غير النفطي، تنمو معه الإيرادات الضريبية للدولة، حيث تشير توقعات الدولة إلى نمو عوائد الضرائب إلى 142 مليار ريال في 2018، بفعل توقعات نمو في القطاع غير النفطي.