حاوره - محمد المرزوقي:
جاء فوز الناقد والشاعر البروفيسور محمد بن مريسي الحارثي بـ»جائزة نادي مكة الثقافي» في دورتها الرابعة استحقاقًا وتقديرًا لإسهامات ابن مريسي النقدية، انطلاقًا من مؤلفاته القيمة في مجال البلاغة والنقد، وفي نقد الشعر السعودي، ومن خلال بحوثه ودراساته الأكاديمية التي قدمها عبر المؤتمرات العلمية المتخصصة في نقد الأدب السعودي، وعبر المشاركات الأدبية والثقافية بأوراق علمية داخل المملكة وخارجها، إلى جانب إسهامه من خلال موقعه الأكاديمي في جامعة أم القرى عضوًا في هيئة تدريس الجامعة، التي أمضى فيها سنوات مشرفًا على العشرات من الرسائل العلمية لدرجتَي الماجستير والدكتوراه في تخصص البلاغة والنقد عامة، إلى جانب ما عني منها بالدراسة والبحث في نقد الشعر السعودي.
وتهنئ أسرة تحرير «المجلة الثقافية» بصحيفة (الجزيرة) الحارثي على هذا الفوز عبر هذا الحوار:
* بما أنكم من أعلام النقد في المملكة، وشاعر أيضًا، فأين تقف من بعض المقولات الدارجة التي تتناول ثنائية (النقد والشعر) في الذات الواحدة؟
كثيرة هي الوقفات والمقولات مما يمكن أن يقال في هذا المقام، إلا أنه ربما يكون من أكثرها تداولاً مقولة: «الشاعر ناقد فاشل، والناقد شاعر فاشل». وفي رأيي إنها عبارة من الخطورة المفاهيمية بمكان! وهي مقولة غير صحيحة على الإطلاق؛ فمسألتا النجاح والفشل ثنائيتان متلازمتان لأي إنسان في أي مجال من مجالات الحياة المختلفة، شاعرًا كان أو روائيًّا أو قاصًّا أو مهندسًا أو تشكيليًّا أو إداريًّا، أو أيًّا كان مجال هذه الثنائية. ولعلي في هذا السياق - أيضًا - أتذكر مقولة لأستاذ سيبويه، الخليل بن أحمد الفراهيدي - رحمه الله - في نص له، يشعرنا بأنه أعتى الحداثيين، وكأنه يعيش معنا حداثة هذا العصر، الذي يقول فيه: «الشعراء أمراء الكلام، يصرفونه أنى شاؤوا، فيقصرون الممدود، ويمدون المقصور، ويصورون الباطل بصورة الحق، والحق بصورة الباطل»!
* ما مدى حاجة الشعر السعودي إلى المزيد من الدراسات النقدية التي تواكب أنتاجه، نزولاً عند وظائف النقد «العملية» تجاه الأديب، والنص، والقارئ، والحياة الأدبية بوجه عام؟
مع كل هذا وذاك فليس كل ما يُنشر ينقد، سواء كان شعرًا أو غير شعر من سائر الفنون الأدبية والإبداعية الأخرى، إلا أنه ومع وجود هذا الإنتاج الشعري محليًّا، في ظل المتغيرات وتأثيراتها المختلفة، فإن شعرنا سيظل امتدادًا لجذور أدبية عريقة، وسيبقى على قائمة الفنون الأدبية العربية، وسيظل معروفًا بهذه المكانة الجمالية والبنائية لدى الشاعر ولدى النقاد والمتلقين، حتى وإن جاء ضمن ما نشهده من تحولات ما قد يصرف لدى البعض عن نقده أو تلقيه، مما يقال - على سبيل المثال لا الحصر - بأن الرواية ديوان العرب الحديث، إلا أن الشعر سيظل محافظًا على مكانته الخاصة به جمالاً وبناء، كما سيظل لكل فن آخر مكانه ومكانته في خطه الذي يسير فيه منذ أن تحددت قيم كل فن من الفنون الأدبية والإبداعية، وتحددت ملامحه؛ ما سيكفل للشعر ولسائر الفنون الأخرى مضيها في مساراتها إنتاجًا، نقدًا كان أو إقبالاً؛ ما سيجعل بداهة لكل فن منتجيه وقرَّاءه ومَن يميلون إليه.
* ماذا عن موجة التلقي «الاستهلاكية»، وتأثيرها على منتج النص؛ إذ استطاعت أن تفرز كتابة تبعًا لـ(رغبة مقروئية) التلقي؟
هذا أمر طبيعي؛ لأننا أمام مسألة مردها أنه مهما كانت درجة الإبداع في أي فن من الفنون فإنه لن يستطيع أي مبدع مهما كان تفرده جمع ذائقة الناس على مستوى واحد، وميول معين، أو مشرب واحد؛ لتظل الفنون الأدبية ماضية في مساراتها التي سيقابلها - أيضًا - تنوُّع التلقي واختلاف الأذواق، التي تأتي تبعًا لاختلاف الاهتمامات، وتنوع دوائر القضايا التي يريد منتج النص أن يعبر عنها، أو يسعى المتلقي للبحث عنها، إلا أنه مع ذلك سيظل لكل فن هويته القيمية؛ ليظل الشعر شعرًا، والرواية رواية، والقصة قصة، وهكذا في سائر الفنون التي سيظل لها حضورها وقيمتها.
* في ظل شيوع تأثير الوسائط الإلكترونية، وشبكاتها المجتمعية، ظهر جليًّا قدرتها على التأثير على النص شكلاً ومضمونًا؛ ما جعلت من كتابة النصوص «تفاعلية»، وتمكّنت من إعادة تشكيل إنتاج النص بين يدي كاتبه، فبِمَ تصفون هذه الظاهرة الكتابية؟
قالوا قديمًا: «الناس أشبه بالعصر الذي يعيشون فيه»، فأيًّا كان مستوى الحضارة في هذا العصر من الرقي، ومن وسائطها، وما تنقله من محتوى بين النوعية والدونية، فالناس كذلك يشبهون عصرهم اليوم الذي يعيشونه. ولعلي أستعير المثل الشعبي الدارج الذي يقول: «حسن السوق ولا حسن البضاعة!»، وكأننا أمام صورة من صورة أخرى من أشكال استهلاك النصوص عبر هذه الوسائط؛ ما جعل المنتجين عبر ما تتيحه هذه الوسائل؛ لما لها من سمات اتصالية، يجلبون المزيد من بضاعتهم إلى سوق الكتابة (رواية، قصة وشعر)، أو أي جنس من الأجناس الأدبية، إلا أن محور هذا كله مرده كيفية تعبير الإنسان عن همومه الإنسانية، ومشاكله الاجتماعية، وقضاياه الحضارية؛ لأن الجذر الذي تنطلق منه كل تلك التفريعات ما بين (مرسل - مستقبل - إعادة إنتاج)، وإن كلاً موكل لما يُسِّر له؛ ما يحتم وجود اتجاهات وأذواق وميول واهتمامات متباينة الميول والوجهة والمذاق في مختلف مجالات الحياة العلمية والعملية بفنون مجالاتها المختلفة كافة، إنتاجًا، ومستوى، وتلقيًا، سواء كان ذلك المنتج ماديًّا أو فكريًّا.
* كيف تنظرون إلى «الهامش» في وسائط الرقمنة، وما يعتريه من كتابة (التوافه) وأشباهها؟!
ما نجده من تعبيرات عن «التوافه»، أيًّا كان شكل الكتابة أو وسيطها، فبالقدر الذي قد ننظر إليها من زاوية جادة على أنها (ابتذال) نجدها من موقع قرائي آخر، وربما كانت بالمقدار نفسه، تمثل (حاجة)، نحتاج إليها؛ لكونها قادرة على كشف سوءات توافه أخرى، أو لأنها قادرة - أحيانًا - دون غيرها على كسر (آلام الجدية)؛ ما يجعل للتوافه أناسًا، كما للجدية أهل، وللذائقة ميول.. وهكذا الحال نفسه في سائر الفنون.
* لتذكير القارئ بمسيرتكم العلمية في مجال التأليف.. فكم كتابًا أصدرتموه؟ وما الذي تشتغلون بإنجازه خلال هذه الفترة؟
أصدرتُ خمسة عشر مؤلَّفًا، وقد قمتُ بتدشين الثلاثة الأخرى صدورًا منها قبل أسبوعَين. فيما أعمل خلال هذه الأيام على مؤلفات مخطوطة عدة، إلا أن ما وصل منها إلى طور المراجعات النهاية للدفع بها إلى المطبعة كتاب جديد، عنوانه: «البلاغة العربية»، الذي سيخرج إلى أيدي القراء خلال الأشهر القريبة المقبلة. فيما أتوقع أن يكون الأقرب إلى مرحلة النشر بعد هذا الكتاب ديوان شعريّ، قمت بمراجعته بشكل نهائي، فيما لا أزال أفكر في عنوان له.