عادت الحياة إلى عدد من المواقع الأثرية في مختلف مناطق المملكة وأصبحت تعج بالزوار، وذلك بعد تهيئتها وفتحها للزوار، وكنتيجة لارتفاع الوعي لدى المواطنين بأهمية الآثار الوطنية ودورها في إبراز حضارات الوطن وإرثها التاريخي.
ومع انتهاء العام 1438هـ أصبح أكثر من 100 موقع أثري في مناطق المملكة مهيأة للزيارة بعد الانتهاء من مشروعات لتأهيل هذه المواقع من خلال تمهيد الطرق ووضع اللوحات الإرشادية ولوحات المعلومات.
ووقعت الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني -مؤخرا- مشروعات الصيانة والتسوير والتبتير واللوحات التعريفية والتوعوية للمواقع الأثرية والتراثية بمناطق المملكة بواقع 300 موقع على مستوى المملكة، بتكلفة (59.180.038 ريالا)، وتتمثل هذه المشروعات في صيانة للأسوار القائمة، وتنفيذ أسوار جديدة، وتبتير للمواقع الأثرية، تنفيذ لوحات تعريفية وتوعوية للمواقع المشمولة بنطاق العقد كمرحلة أولى.
إضافة إلى إبرام عقود للتشغيل والصيانة والهندسية للمتاحف والمواقع الأثرية والتراثية لأكثر من 130 موقعا ومبنى أثريا وتراثيا، بتكلفة (100.000.000 ريال)، وتهدف هذه المشروعات إلى رفع كفاءة ومستوى المواقع الأثرية والتراثية والمتاحف على مستوى المملكة.
كما أنشأت الهيئة ممثلة بقطاع الآثار والمتاحف عددا من مراكز الزوار في عدد من المواقع الأثرية بمناطق المملكة.
وتهدف المراكز إلى تقديم نبذة مختصرة للسائح عن تاريخ المنطقة التي يزورها بشكل يجعل الزائر محيطا بصورة كاملة بتاريخ الموقع والحضارات التي تعاقبت عليه، وتشمل المراكز على لوحات تتضمن صورا وخرائط ومعلومات عن تاريخ الموقع بالإضافة إلى عرض مرئي عن الموقع، كما تقوم هذه المراكز بتزويد الباحثين بالمعلومات التاريخية والعلمية من خلال ما يتم عرضه بالإضافة إلى النشرات والكتيبات عن الموقع.
ومن هذه المراكز، مراكز الزوار في كل من قصر الحمراء وقصر الرضم وبئر هدَّاج، ومركز الزوار في موقع الرجاجيل وموقع بئر سيسرا في الجوف، ومركز بمغاير شعيب بالبدع، ومركز بموقع برج الشنانة بالرس، ومركز الزوار في موقع عكمة وموقع الخريبة بالعلا، وموقع الأخدود في نجران.
وقد أكد عدد من الأكاديميين على أن الحفاظ على التراث الوطني وفي مقدمته الآثار هو من سمات التميز للدول المتحضرة، التي تخوض سباقاً مع الزمن للحفاظ على تراثها الثقافي، مشيرين إلى أن المملكة العربية السعودية تشهد مرحلة انتقالية وتاريخية في مجال الحفاظ على آثارها وتراثها.
وأكد الدكتور سعيد السعيد الأستاذ في كلية السياحة والآثار بجامعة الملك سعود أن الحافظ على الآثار والاعتزاز بها يعد من سمات التميز للدول المتحضرة، فتلك الدول تخوض سباقاً مع الزمن للحفاظ على تراثها، معطية أولوية كبيرة للقرى والمدن معاً، مشيرا إلى أن المجتمع السعودي شديد الاعتزاز بموروثه الحضاري وبمواقعه الأثرية التي تعتبر مصدرا مهما استقى منه المؤرخون والباحثون تاريخ الجزيرة العربية وحضاراتها.
واعتبر الدكتور عبدالناصر الزهراني عميد كلية السياحة والآثار في جامعة الملك سعود أن التراث ثروة حضارية وثقافية تراكمت عبر القرون، وتتميز بأنها ذات تجارب إنسانية ثرية ومتنوعة، مؤكداً أن التراث يمثل هوية الشعوب والأمم، ومن هذا المفهوم كان لا بد من التمسك بأصالته وعراقته والمحافظة عليه، لأن علاقة الإنسان بالتراث علاقة عضوية تمثل هويته وجذوره الثقافية.
وأضاف: إن فتح الأبواب للبعثات ومشاركة المواطن وعلماء الآثار مع هذه البعثات أعطت أفقاً أوسع للتراث الحضاري الموجود في المملكة أن ينتشر عالمياً، مشيراً إلى الأهمية والأهداف الكثيرة للتنقيبات الأثرية والتي منها أنها تنشر نتائجها على مستوى العالم، وإبراز جهود ونشاط المملكة في العناية بالتراث الحضاري وتوعية المواطن بأهمية التراث الحضاري للمملكة.
وكان صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن سلمان بن عبدالعزيز رئيس الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني قد أكد أن الهيئة عملت بمنهجية واضحة وتوازن كبير لوضع أسس ثابتة لينطلق المجتمع من مرحلة التوجس من السياحة والتراث والآثار إلى القبول بها وصولاً إلى المطالبة بتطويرها على قيم المجتمع وما توافق عليه المواطنون، والعناية بالتراث والآثار بوصفه مكوناً أساساً في هوية المواطنين وعنصراً أصيلاً في كينونة الدولة والمجتمع، ومنطلقاً صلباً للمستقبل الذي لا يبنى إلا على أصول ثابتة، مشيرا إلى سعي الهيئة لفتح مواقع الآثار والتراث وتحفيز المواطنين على زيارتها وربطهم بها مما يسهم في ترسيخ المواطنة وربط المواطنين ببلادهم، وتنمية الاعتزاز بالتعاقب الحضاري الذي تحتضنه عبر العصور.