1 - عندما هاجر من مكة إلى المدينة، وكان قد نزل ضيفًا على بيت رجل يدعى (أبا أيوب الأنصاري) لفترة ما حتى يبنى المسجد النبوي ويبنى بيت للنبي. وقد كان بيت أبي أيوب مكونًا من دورين، فقال للنبي – من ذوقه – (أنت تسكن في الدور الأعلى وأنا أسكن في الدور الأسفل)، حتى لا تدب قدمه فوق النبي. كان النبي أيضًا قمة الذوق، فقال له النبي: (لا)، لأنّ الكثيرين من الصحابة وغيرهم سيزورون النبي، فإذا كان أبو أيوب وزوجته في الدور الأول فسينزعجون من كثرة الزوار، لكن عندما يكونون بالدور الأعلى فلن ينزعجوا ولن يضيق على زوجته.
2 - أبو البحتري بن هشام، أحد الرجال القلائل من المشركين الذين سعوا في نقض صحيفة المقاطعة الظالمة، فعرف له الرسول جميله وحفظه له، فلما كان يوم بدر قال: «ومن لقي أبا البحتري بن هشام فلا يقتله». فهل نتذكر مَنْ أحسن إلينا في حياتنا؟
3 - كان النبي يسكن زوجاته بجوار المسجد النبوي في المدينة المنورة وهي منطقة صحراوية، وزوجاته – اللهم صلِّ على آل البيت – قد ألِفْنَ هذا المناخ، ثم تزوج النبي بالسيدة (ماريا) المصرية، وهي من أرض النيل والخضرة، وبأبي هو وأمي النبي القائد المنشغل بهموم الأمة ومستقبلها والمسئول عن الدعوة، يرصد ملاحظة يذهل عنها الكثير، حيث لم يسكن الرسول السيدة ماريا بجانب زوجاته، ولكنه يسكنها في منطقة تسمّى العوالي وهي منطقة زراعية. فتأمَّل – يرحمك الله - تلك الملاحظة الدقيقة وذوقه في التعامل مع زوجته!
4 - تقول أُمنا عائشة -رضي الله عنها-: كنت في أثناء المحيض، أشرب من الإناء فيأخذه النبي وينظر إلى موضع شفتي، ويضع فيه (فمه) على موضع شفتي! وكان النبي يقصد هذا في هذه الفترة على وجه التحديد ليراعي نفسيتها التي تحتاج لذلك في هذه الفترة.
5 - ومن الذوق الرفيع ما حدثت به أم المؤمنين عائشة أنها كانت بحضرة النبي فإذا بصوتها يرتفع في لحظة دخول سيدنا أبي بكر الصديق، فكاد أن يضربها، فجاء النبي وحال بينه وبينها، وهدأ أبو بكر، وذهب، فوجد النبي السيدة عائشة منكسرة فقد كانت ستهان وتُضرب الآن، فقال لها النبي يهوِّن عليها: «أرأيتِ كيف حلتُ بينه وبينك؟!» إنه ذوق النبي في التعامل مع زوجته والتهوين عليها في لحظة الانكسار.
6 - وكانت عائشة - رضي الله عنها - تجلس ذات مرة مع النبي تحكي له عن قصة عشرة أزواج مع زوجاتهم، قصة طويلة جدًّا، وفي نهايتها ذكرت له قصة رجل يدعى «أبا زرع» كان رجلاً رقيقًا مع زوجته يحبها وتحبه ويعيش معها أجمل عيشة، إلا أنه طلقها، فنظر إليها النبي وقال لها: «كنتُ لك كأبي زرع لأم زرع غير أني لا أطلقك». فقد راعى النبي قلق السيدة عائشة بعض الشيء فأراد أن يسكن روعها بذوقه وسرعة بديهته.
7 - المطَّلع على سيرة رسول الله يجدها مفعمة بالتقدير المخلص، والذي ينم عن خلق سامٍ وذوق لا يجارى، فيطلق الألقاب الرائعة والأوصاف العالية على صحابته - عليهم رضوان الله أجمعين - فهذا أبو بكر يلقبه بـ(الصديق)، وعمر بـ(الفاروق)، وخالد (سيف الله المسلول)، وحمزة (أسد الله)، ويقول عن عليِّ بن أبي طالب إنه من الرسول بمنزلة هارون من موسى، ويصف عثمان بن عفان بأنه رجل تستحي منه الملائكة، أبو عبيدة (أمين الأمة)، ويقول عن معاذ بن جبل: إنه أعلم الأمة بالحرام والحلال.