«الجزيرة» - الرياض:
ككرة الثلج الصغيرة التي تتدحرج من قمم الجبال الجليدية؛ لتصبح في نهاية المطاف كبيرة الحجم، وبالغة الأثر، باتت قضية صكوك دانة غاز بمنزلة أكثر القضايا إثارة للجدل في تاريخ صناعة السندات الإسلامية. تلك القضية بالغة التعقيد، التي تتشابك فيها الخيوط القانونية والشرعية مع استراتيجيات إعادة هيكلة الديون وأدوات الدخل الثابت؛ إذ تحولت قضية عدم امتثال صكوك دانة غاز للشريعة - بحسب وصف الشركة - إلى أزمة تؤرق بال صناعة المال الإسلامية، وباتت القضية تحوز تغطية أوسع بوسائل الإعلام الغربية التي تهتم بالشأن الاقتصادي والمالي.
المحلل بأسواق الدين محمد الخنيفر قال لـ»الجزيرة» إن القضية تفجّرت في اليوم الذي أعلنت فيه دانة غاز أنها ستقترح إعادة هيكلة صكوكها القائمة البالغة قيمتها 700 مليون دولار مع حاملي صكوكها. وقالت الشركة في بيان «بناء على التطور المستمر الذي طرأ على أدوات التمويل الإسلامية نتيجة المراجعات التي تمت خلال السنوات القليلة الماضية تلقت الشركة مؤخرًا نصيحة قانونية، تفيد بأن صكوك المضاربة بصيغتها الحالية لا تتوافق مع أحكام الشريعة، وتخالف الأحكام القانونية. ونتيجة لذلك فإن إعادة هيكلة الصكوك الحالية أمر ضروري لضمان توافقها مع القوانين المرعية ذات الصلة لما فيه مصلحة جميع الأطراف».
وحسب الخنيفر، قالت دانة إنها تقترح استبدال الصكوك «بأداة جديدة قابلة للتنفيذ، ومتوافقة مع أحكام الشريعة، وأن تكون مدة استحقاقها 4 سنوات، وتمنح حقوقًا بتوزيعات أرباح بنسبة تقل عن نصف نسبة الأرباح الحالية من دون خيار التحويل» إلى أسهم.
وذكر أن قرار الشركة لم يحز إعجاب الجميع؛ إذ خرج العاملون في صناعة المال الإسلامية للتحذير من تبعات نجاح شركة الطاقة الخليجية في إثبات حجتها حول عدم شرعية الصكوك بالمحاكم؛ إذ إن من شأن ذلك أن يهز الثقة بأسواق الدين الإسلامية. في حين قام البعض الآخر بالتشكيك في دوافع الشركة، وكون أن الاستراتيجية الني تم اتباعها تهدف في نهاية المطاف للحصول على شروط أفضل من المستثمرين. هذا التحفظ من قرار الشركة كان واضحًا في البيان الصحفي الذي أصدرته اللجنة الخاصة التي تمثل حاملي الصكوك، الذين أشاروا إلى أن قرار الشركة وقف مدفوعات السندات الإسلامية يبدو مخالفًا للقانون الإنجليزي الذي تخضع له هذه الأدوات، وأن المستثمرين لا نية لديهم لمبادلة الصكوك بأدوات جديدة بشروط أقل ملاءمة بشكل ملموس.
وحصلت «قضية صكوك دانة غاز» على تغطية مكثفة من الإعلام الغربي بشكل لم تعهده الصناعة نفسها في الآونة الأخيرة. اللافت في هذه التغطية الإعلامية هو الوجود السعودي عبر الكفاءات المتخصصة بأسواق الدين الإسلامية، التي بدأت تبرز على الصعيد الإقليمي، ومنهم الخنيفر؛ إذ ورد اسمه وهو المتخصص بأسواق الدَّين، ويعمل لدى مؤسسة مالية دولية، في ما لا يقل عن 5 مرات خلال الأيام القليلة الماضية مع وسائل الإعلام للتعليق على أكثر القضايا جدلاً في تاريخ صناعة المال الإسلامية.
وتحت عنوان يدور حول «مناشدة لإصدار حكم (قضائي): صناعة السندات الإسلامية الناشئة تواجه مأزقًا»، خرجت مجلة «ذي إيكونوميست» البريطانية، التي تتعدى فيه أرقام توزيعها حاجز الـ 1.5 مليون نسخة للعدد، بتقرير موسع حول قضية صكوك دانة غاز؛ إذ استأنست المجلة العريقة في عدد هذا الأسبوع، التي يعود تاريخ نشأتها إلى 1843، بمرئيات الخنيفر حول القضية، وأثرها على صناعة المال الإسلامية. وتبع المجلة البريطانية في هذا التوجه وكالتا رويترز وبلومبرج ومجلة الطاقة «إنرجي انتليجنس» و «CPi « فايناشل.
يقول الخنيفر إن ثقافة «أسواق الدين» تعتبر حديثة بمنطقة الخليج بالرغم من أن التخصص يعتبر من أعمدة النظام المالي العالمي، فيما بدأت وسائل الإعلام العربية بالتركيز على نشر ثقافة أسواق الدين بعدما نجحت المملكة في إغلاق أضخم إصدار سندات قادم من الأسواق الناشئة السنة الماضية (بقيمة 17.5 مليار دولار).
ويعتبر الخنيفر الذي يكتب زوايا حصرية لصحيفة «الجزيرة» منذ أوائل العام 2012 أحد أبرز المرجعيات بأسواق الدَّين في الخليج؛ كونه يمتلك خبرة دولية بأسواق الدين (تصل سنوات عدة)، اكتسبها بعمله الحالي مع مجموعة البنك الإسلامي للتنمية، وذلك من خلال المساهمة في تقديم المشورة للإصدارات السيادية الأولى من الصكوك والقادمة من السنغال وساحل العاج والأردن.
ويضيف الخنيفر لـ«الجزيرة» بأنه يعكف حاليًا هو وزملاؤه على تقديم أول صكوك سيادية قادمة من قارة أمريكا الجنوبية.
يُذكر أن الخنيفر تم اختياره مرتين متواصلتين (2015 - 2016) ضمن قائمة «إسلاميكا» للشخصيات القيادية «الأكثر تأثيرًا» في صياغة الاقتصاد الإسلامي؛ إذ جاء اختياره لمساهماته الفعالة في أسواق الدين الإسلامية، سواء عبر كتاباته أو لقاءاته التلفازية ذات الطابع التوعوي، أو الإصدارات السيادية التي يشرف عليها.