زكية إبراهيم الحجي
«كم أخاف أن يأتي الربيع القادم صامتاً بلا طيور تغرد.. وتعج الصحراء بالجراد.. ويتشوه منظر النجوم والقمر»راشيل كارسون»
ترى هل سيكون هناك ربيع صامت كربيع عالمة الأحياء راشيل كارسون الذي حذرت منه في كتابها الشهير «الربيع الصامت» فكان بمثابة جرس إنذار لبني الإنسان ليستيقظ من سباته فالأرض في خطر.. والسنين القادمة ستكون بلا ربيع تصدح فيه البلابل والعصافير بتغريد عذب شجي.. سنستنشق هواءً ملوثاً بالعوالق المنبعثة من السيارات والنفايات وسنأكل طعاماً محملاً بالكيماويات المسرطنة ونشرب ماء ملوثاً وكل ذلك سيولد أمراضاً جديدة لم تعرفها البشرية من قبل.
بدأت علاقة الإنسان بالبيئة منذ نشأته على الأرض بالخوف من أخطارها وقسوتها وجهله بالتعامل مع أسرارها لكنه كافح واجتهد من أجل تطويعها لمتطلباته وتأمين حياته.. ومع تطوره وإدراكه ووعيه راح يتعمق في أسرار الكون ومظاهر البيئة فنشأت بينهما علاقة من التناغم والتوافق المتبادل.. هو يستثمر البيئة بخبرته المتواضعة وهي تمنحه مصادر الحياة بقدر ما يبذل فيها من جهد وتعب.
ولأن فهم الحياة يكمن فقط بالنظر إلى الوراء إلا أن معايشتها لا تتأتى إلا بالتقدم إلى الأمام وذلك حسب ما أشار إليه أحد الفلاسفة لهذا فإن وصول الإنسان إلى عصر العلم واهتدائه إلى الكثير من أسرار الطبيعة صارت مهمة علمه أن يوظف البيئة في خدمته ويطوعها من أجل احتياجاته لكن تطور وسائل الاستقرار البشري وتزايد فرص استغلال موارد الأرض بدأت تُظهر انعكاسات تدخلات الإنسان اللامحدودة من استغلال جائر لمواردها والاستخدام المكثف للمواد الكيماوية والإسراف في استخدام المبيدات.. والتلوث بكافة أشكاله وأبعاده مما أخل بعلاقة التناغم بينه وبين أرضه وبيئته.
في عام 1962م أصدرت عالمة الأحياء «راشيل كارسون» كتابها الشهير «الربيع الصامت»وهو ليس من كتب الخيال القصصي أو العلمي إنما هو كتاب ليوقظ الإنسان الذي لم يستيقظ إلا في وقت متأخر وذلك بعد ما أخذت الملوثات البشرية والصناعية تهدد البيئة التي يعيش فيها.. وهذا ما حذرت منه عالمة الأحياء في الربيع الصامت وأشارت إلى مغبة الاستخدام غير الحذر أو الرشيد للمواد الكيماوية وأن هذه المواد ما أن تدخل المحيط الحيوي الذي يضم الكائنات الحية من بشر ونبات وحيوان تشق طريقها إلى غذائه وتلوث هوائه ومائه.
وما أن صدر هذا الكتاب حتى لقيت العالمة الكاتبة هجوماً شديداً ومعارضة واسعة.. ووُصِفت بالمرأة المستهترة غير المؤهلة لكتابة مثل هذا الكتاب بل تلقت تهديدات بالقتل خاصة من الشركات العملاقة للمواد الكيماوية وذلك لأن كتابها يهدد أرباحهم الهائلة التي تُجنى من بيع هذه المواد التي تؤدي إلى تدمير التوازن البيئي فينعكس ذلك على الإنسان عللاً وأمراضاً.
ومع مرور الأيام تزايدت مشاكل البيئة ولم تعد الطبيعة قادرة على الصمت تغضب وتثور من حين لآخر تشكو اعتداءات البشرية.. تَنَبه العالم لغضب الطبيعة وثورتها بعد خمسين عاماً من صدور كتاب «الربيع الصامت» وأيقن بأن عالمة الأحياء «راشيل كارسون» كانت محقة واستطاعت أن تنتصر للبيئة من خلال كتابها الربيع الصامت وأن توقظ البشرية حتى وإن كان ذلك متأخراً.
رغم الجدل الذي أثاره كتاب الربيع الصامت وما لاقته مؤلفته من هجوم وحملات مسعورة.. ثم وفاتها عام 1964 نتيجة اصابتها بمرض السرطان إلا أنه كان رسالة واضحة القدرة على توليد وعي بشري تجاه هشاشة الطبيعة وتبقى عالمة الأحياء «راشيل كارسون»رائدة التغيير في مجال البيئة.