زكية إبراهيم الحجي
اقترن استعمال مفهوم الأمن الثقافي بميلاد ظاهرة العولمة مع بداية عقد التسعينات من القرن الماضي.. وللوهلة الأولى يبدو مصطلح أو مفهوم الأمن الثقافي متناقضاً.. فكيف يجتمع الأمن والثقافة مع بعضهما حيث أن الأمن يعني الشعور الذي يسود الفرد والجماعة بإشباع الاحتياجات الضرورية لهم وحماية مقومات حياتهم وتشمل الدين والنفس والعقل والعرض والمال.. إلى جانب حماية كيان الوطن من أي اعتداء خارجي قد يتعرض له.
أما الثقافة فتتضمن حسب كثير من التعريفات المختلفة النشاط الفكري والفني للأعمال المنتجة في أوقات متفاوتة عبر التاريخ بمعنى هي انعكاس لمعنى الحياة في مراحلها المختلفة وشكلها المتغير من مكان لآخر ومن حقبة زمنية إلى حقبة أخرى.. وعموماً فالثقافة مفهوم واسع ويشير إلى الإبداع وتبادل الآراء إلى غير ذلك مما لا يسمح المجال لذكره.
الأمن الثقافي بمفهومه الواسع الشامل له أهمية بالغة في حياة الأمم والشعوب خاصة في الحياة المعاصرة وفي ظل التحديات التي نواجهها من آثار سلبية لعولمة فُرِضت قهرياً على إنسان هذا العصر فانحنى صاغراً لها وذلك لتحقق الدول الكبرى توجهاتها ورغبتها القائمة على السيطرة والهيمنة على دول ذات حضارات تاريخية وثقافية ومكتسبات متأصلة عبر التاريخ.. مستغلة تسلحها بالقدرة العلمية والتكنولوجية والأسلحة الحديثة ومتخذة من الحروب ذريعة للسطو على حضارات الشعوب التاريخية والتغيير في جغرافية الأرض لفرض واقع جديد يراعي مصالحها.
حين يترادف الأمن مع الثقافة فإن ذلك يعني إبراز دور الأمن كبعد استراتيجي في تحقيق الأمن الثقافي للميراث التاريخي الثقافي وضبطه وحفظه.. ومحاولة بناء جدار أمني يحفظ للأمة أياً كانت ثقافتها وتراثها وحضارتها من أي اختراق أو اعتداء أو حتى طمس للهوية الثقافية في عالم الحضارات الإنسانية.
وحيث أن البعد الثقافي للعولمة يؤثر وبقوة على ثقافة أي مجتمع فهي تدعو إلى إيجاد ثقافة كونية أو بالأحرى غربية وتسعى لفرضها على ثقافات الشعوب الأخرى تحت وطأة الغزو الثقافي.. لذا فإن الأمن الثقافي أصبح ضرورة حتمية للحفاظ على مقومات أساسية لأي مجتمع والمتمثلة في الدين واللغة والتراث.. والذاتية الثقافية
الدين يحقق الاستقرار الاجتماعي والفكري ويغرس في النفس الإنسانية الأمن والطمأنينة بل يمثل قاعدة راسخة يُبنى عليها الأمن الثقافي لأي مجتمع.. أما اللغة فهي المنهج والنظام للتفكير والتعبير وهي الطريق لحفظ ثقافة الأمة وتاريخها عبر الأجيال.. أما التراث فإن لكل أمة تراثها الحضاري والثقافي الذي يمثل ذاكرتها التاريخية والسجل الذي أودعته إسهاماتها ومخزونها وتجاربها عبر مراحل الحياة المتعاقبة أما ما يخص الذاتية الثقافية فإنها تشمل جميع السمات المميزة للأمة كالدين واللغة والتاريخ والعادات والتقاليد وطرق التفكير إلى غير ذلك مما يحفظ للأمة هويتها وشخصيتها وثقافتها السائدة.
الأمن الثقافي صمام أمان لثقافتنا وتراثنا وحضارتنا في ظل التحولات والتطورات السريعة التي نمر بها.. بل هو عنصر لا غنى له في النهضة الاجتماعية والتنموية وذلك لحياة إيجابية سليمة.