زكية إبراهيم الحجي
للاعتذار في ثقافات الشعوب دلالات وصيغ وطقوس مختلفة، ولعل أهمها تحسين العلاقة الاجتماعية عندما تتعرض لشرخ أو اختلال قد يسبب جفاء وبغضاً ينتهي بتباعد.. ولطالما ارتبط الاعتذار بتهذيب السلوك وقيم الأخلاق الرفيعة التي تمحو كل ما قد يشوب المعاملات الإنسانية من توتر أو تشاحن نتيجة الاحتكاك المتبادل..
السؤال: لماذا نفتقر في مجتمعنا إلى ثقافة الاعتذار والاعتراف بالخطأ.. وقلما نجد إنساناً أخطأ وواجه الآخرين بما أخطأ واعترف واعتذر، ولماذا يبدو الاعتذار معيباً في ثقافتنا الشرقية.. ولماذا»آسف أعتذر سامحني وغيرها» تغيب عند اختلافاتنا وحواراتنا رغم نبلها وارتباطها بكل القيم الإنسانية والأخلاقية السامية، وبأساليب التفكير التي تحكم سلوكنا مع الآخرين.. وارتباطها أيضاً بشكل مباشر بالخطأ.. والأخطاء جزء من تركيبة البشر السلوكية.. وسمة لا يخلو أحد منها.. بل لا يمكن لأي إنسان مهما بلغت درجة مثاليته ألا يقع في خطأ..
الأخطاء من طبيعة البشر والاعتذار بمثابة ديِّة معنوية يدفعها من يخطئ في حق الآخرين.. ترى هل المتغيرات الاجتماعية أبعدتنا عن التسامي بجوهر القيم والأخلاق الفاضلة والسلوكيات الحضارية التي حث عليها الدين الإسلامي الحنيف!!
إذا كان الاعتراف بالخطأ فضيلة والاعتذار منه والتراجع عنه قوة إذن: أين نحن من درر الكلام مثل»عفا الله عما سلف.. العفو عند المقدرة مجموعة درر غابت وغاب معها حسن التعامل ومصداقية التعبير.. وفن التسامح وقبول الآخر وشجاعة الاعتراف بالخطأ.. غابت أدبيات الاعتذار ذات الوقع الجميل على النفس والتي تجعل المعتذر يتنبه من كمِّ ونوع الأخطاء التي يوجهها للآخرين مما يزيده احتراماً ويمنحه مكانة اجتماعية في المجتمع.
إن جوهر الاعتذار يكمن في صدق منبعه وحسن توقيته.. وليس أجمل من إجابة أحد الحكماء عندما سئل عن أعظم إنجاز حققه في حياته، فأجاب بقوله»أعظم إنجاز في حياتي هو القدرة على الاعتذار إلى من أسأت إليه» وكما هو حال إنسان أي مجتمع من هذه الثقافة فهو حال الدول والشعوب.. لكن تبقى تشريعات الدين الإسلامي الحنيف هي من تغذينا بثمرات وفضائل ثقافة الاعتراف بالخطأ والتراجع عنه وتقديم الاعتذار..
والقرآن الكريم حافل بنماذج كثيرة من صور الاعتذار لمن هم أرفع مقاماً وأعلى درجة رسل الله وأنبياؤه ليقتدي بهم المسلم في الاعتذار عند الخطأ أو حال ارتكاب ما يوجب عليه الاعتذار.. وما عتاب الله سبحانه وتعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم حول موقفه من عبدالله بن مكتوم في سورة «عبس» إلا واحدة من صور الاعتذار الرقيق الجميل من نبي الله لرجل كفيف.
الاعتذار سمة من سمات الإنسان النبيل وهو رسالة تجسد الكثير من تحمل المسئولية تجاه الآخرين.. هو ليس ضعفاً أو إذلالاً بل قوة تنزع الحقد والضغينة من الإنسان وتُبقي حبل التواصل مستمراً.