«الجزيرة» - خاص:
معالي الشيخ أد.سليمان بن عبدالله أبا الخيل مدير جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية عضو هيئة كبار العلماء رئيس المجلس التنفيذي لاتحاد جامعات العالم الإسلامي، علّق على الأحداث الراهنة بقوله: ولاة أمرنا ناصحون صدقوا ما عاهدوا الله عليه رفعوا راية التوحيد وحققوه ، وطبقوا شريعة الله غضة طرية كما جاءت في الكتاب والسنة، جاء ذلك خلال محاضرة قيّمة في جامع الأميرة حصة بنت عبدالعزيز بمدينة الرياض يوم الخميس الماضي 13 رمضان بعنوان (الصيام جنة)، وقد سُئل معاليه سؤالاً مهماً بعد نهاية المحاضرة حول القرارات الحازمة الموفقة المسددة التي أصدرها ملك الحزم والعزم خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز في الحفاظ على وحدة المملكة واستقرارها وأمنها الوطني، وهذا نص السؤال:
معالي الشيخ وفقكم الله بعض الناس يخذل الناس ويرجف بين العامة والخاصة فيما اتخذه ولي الأمر خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز من قرارات قوية وحازمة وحاسمة وحكيمة تحفظ وحدة المملكة وأمنها وأمانها وتماسكها وأمنها الوطني ، ممن أرادها بسوء وشر وفتنة من بعض الدول الحاسدة والحاقدة خلال عقود من الزمن على وضع المخططات الكيدية وافتعال الأزمات وتفعيل المظاهرات والمشاكل والاستعانة بالأعداء من الدول والتنظيمات والجماعات والأحزاب المتطرفة والإرهابية كتنظيم جماعة الإخوان ؛ويقول : إن هذه فتنة فلا تدخلوا فيها ولا يكون لكم مواقف واضحة وصريحة ومؤيدة لما اتخذته الدولة في هذا الشأن فما توجيهكم في هذه المسألة؟ وما هو واجب المواطن على مختلف مستوياته وخصوصاً العلماء وطلبة العلم والمتخصصين تجاه دينهم ووطنهم وولاة أمرهم والحفاظ على مكتسباتهم ومقدساتهم ومقدراتهم ووحدتهم وأمنهم والنعم التي أنعم الله بها عليهم؟.
فأجاب معاليه بقوله:
الإرجاف هو إِحْدَاثُ الخَوْفِ وَالرُّعْبِ فِي النفوس والخَبَرُ الكاذِبُ المثير للفتن والاضطراب والأَراجيف في شأن السياسة شوائع تُنشر للتأْثير في العامة لتأليبهم على ولاة أمرهم والتشكيك في قراراتهم تبعا للهوى والفتنة.
وقد ذكر الإمام القرطبيُّ أن الإرجاف حرامٌ لما فيه من أذِيَّة أهل الإيمان؛ بل ألحقَه بعضُهم بكبائِر الذنوبِ؛ لأن الله لعنَهم في كتابِه وقرنَهم بأهل النفاق، فقال: ((مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوأ))، وأمرَ نبيَّه بنفيِهم ومُقاتلتهم.
وتشتدُّ الحُرمة في أيام الفتن، وظروف تسلُّط الأعداء، وما ذلك إلا لأن الإرجافَ لو فشَا في الناسِ فإنه لا يزيدُهم إلا شرًّا وفسادًا، وضعفًا وهوانًا، وفتنةً وتناحراً ، لذلك نجد أهل الإرجاف ودعاة الفتنة والمروّجين لشعارات أعداء الدين ومنهج أهل السنة عموا أو تعاموا عن فتوى مهمة للإمام عبدالعزيز بن باز مخاطباً بعض السائلين حيث قال رحمه الله:
(ويسرني أن أخبركم أن الأحاديث المتعلقة بالفتن والتحذير منها محمولة عند أهل العلم على الفتن التي لا يعرف فيها المحق من المبطل فهذه الفتن المشروع للمؤمن الحذر منها، وهي التي قصدها النبي -صلى الله عليه وسلم- بقوله : «القاعد فيها خير من القائم والماشي خير من الساعي...» الحديث، أما الفتن التي يعرف فيها المحق من المبطل والظالم من المظلوم فليست داخلة في الأحاديث المذكورة، بل قد دلت الأدلة الشرعية من الكتاب والسنة على وجوب نصر المحق والمظلوم على الباغي والظالم).
وفي فتنة غزو دولة الكويت الشقيقة عام 1411هـ ظهرت أصوات تقول للمسلمين : يجب على المسلم أن لا يدخل في الفتن ويكفّ عنها ، ولا يكون ضدّ حاكم العراق وجنوده!! فألقى سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله كلمة شافية جاء فيها :(ليست هذه الفتنة ممّا يُعتزل فيها ؛ لأنّ الحقّ فيها واضح، والقاعدة أنّ الفتنة التي ينبغي عدم الدخول فيها هي المُشتبهة التي لا يتّضح فيها الحقّ من الباطل) أهـ.
وقال أيضاً: (ما ظهر فيه الحقّ ، وعُرف فيه المُحقّ من المُبطل والظالم من المظلوم فالواجب أن يُنصر المظلوم ويُردع الظالم ويُردع الباغي عن بغيه ويُنصر المبغي عليه ويُجاهد الكافر المُعتدي، ويُنصر المظلوم المُعتدى عليه ، وفي هذا المعنى يقول الله سبحانه وتعالى:
«انفروا خفافاً وثقالاً وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله ذلكم خيرٌ لكم إن كنتم تعلمون»)أهـ.
وقال عن الآمرين بالسكوت أو الصمت في تلكم المحنة: (ربما كان بعضهم مأجوراً من حاكم العراق، فتكلّم بالباطل والحقد؛ لأنّه شريك له في الظّلم ، وبعضهم جهل الأمر وجهل الحقيقة وتكلم بما تكلم به أولئك الظالمون جهلاً منه بالحقيقة والتبست عليه الأمور) انتهى كلامه رحمه الله.
ولذلك أقول إن الحق فيما رَآه ولي أمرنا أبلج وواضح وضوح الشمس في رابعة النهار ولله الحمد، أفلا يكون ما يردده أولئك المفتونون المسيسون من الدعوة إلى السكوت وعدم البيان والتأييد والوقوف الصادق لأن ذلك من الفتنة التي نهى المسلم من الدخول والخوض فيها (على حد زعمهم ) هو المرض والإرجاف والهوى والفتنة بعينها، لذلك نجد الإمام البخاري رحمه الله بدأ صحيحه بكتاب بدء الوحي وختمه بكتاب التوحيد لماذا؟ كأنه يقول من أراد أن يختم له بالتوحيد فليهتم بالوحي من قرآن وسنة، قال سفيان الثوري رحمه الله: (إن استطعت الا تحك رأسك إلا بأثر فافعل) لذلك لا وسط في الاتباع إما وحيٌ وإما هوى ، لذلك تجد هؤلاء وأضرابهم يتناقضون تناقضا مكشوفا فإذا كان الأمر يخصهم أو يتعلق بجماعاتهم وأحزابهم وتنظيماتهم والحكومات الراعية لذلك والداعمة له صجوا ولجوا وأقاموا الدنيا ولَم يقعدوها واستخدموا كل وسيلة مسموحة أو ممنوعة للتأييد والمناصرة والدفاع والتبرئة والثناء والتمجيد ولا يعدون ذلك ولوجاً في الفتنة!! فسبحان الله وما الفرق بين هذا وذاك؟ ولكنه الهوى والحزبيات البغيضة والشبه العمياء والأيدلوجيات الغالية المتطرفة تفعل هذا وأكثر، نسأل الله العافية والسلامة ،والكيّس من دان نفسه واستعاذ بخالقه من الهوى وحظوظ النفس وتبرأ من الولاء للأحزاب والتنظيمات المتطرفة والجماعات المنحرفة كتنظيم جماعة الإخوان وأدواتها وأماكنها ودولها الراعية لها والمفعلة لمطامعها وأهدافها السيئة والمعادية ، وتجرد في قوله وفعله لله تعالى، ولينزل ذلك على ما يشاع هذه الأيام حول قطع المملكة العربية السعودية العلاقات مع حكومة بلد زاد شره وتبين خطره بسبب ما يقوم به من نشاطات تمس أمن واستقرار المنطقة بعامة والمملكة بخاصة، مع ما هو معروف عن ولاة أمرنا حفظهم الله من طول البال والحكمة والروية وسعة الصدر والعفو والصفح، ولكن يبدوا أن الأمر زاد عن حده وطفح الكيل وبلغ السيل الزبى، ولَم يكن هناك مجال للصبر أو الانتظار حتى جاءت هذه القرارات لتجعل لذلك حداً لهذه التجاوزات الخطيرة الشنيعة، ثم يأتي شخص لا يعرف إلا التخذيل والإرجاف ويشكك كل عامي بسيط بقرارات بُنيت على استقراء وتحر وخبرة وحقائق ووثائق وأدلة وبراهين قواطع!! ولذلك لا بد أن يكون موقفنا جميعاً من علماء ومسؤولين وطلبة علم وعامة واضحاً وجلياً وصادقاً وصريحاً مع ما رآه ولي أمرنا خادم الحرمين الشريفين املك سلمان بن عبدالعزيز حفظه الله، مما يردع المعتدين ويحفظ ديننا وعقيدتنا وبلادنا ومقدساتنا ومكتسباتنا ومقدراتنا وأمننا وأماننا وطمأنينتنا واستقرارنا ووحدتنا الوطنية والشرعية ويكشف مخططات الأعداء والحاقدين المزايدين، وينقي ويصفي مجتمعنا من الأيدلوجيات والانحرافات العقدية والفكرية والمنهجية وكل ما يخالف ثوابتنا ومبادئنا وما قامت عليه بلادنا من أصول راسخة وجذور ثابتة تنطلق من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وما كان عليه سلف هذه الأمة، ولا يجوز التخاذل أو الإرجاف أو التلبيس والتدليس أو الضبابية أو الرمادية أو السكوت لأن الأمر يحتاج إلى البيان والبيان لا يجوز تأخيره عن وقت الحاجة، وإذا كان البيان واجباً والحال هذه، فكيف والأمر مرتبط بطرق شيطانية تولى كبرها دولة إيران الصفوية الفارسية الغالية المتطرفة الإرهابية الحاقدة العدائية التي هي أشد أعداء أهل السنة والجماعة ضراوة وشراسة على وجه الأرض ، والتاريخ والحوادث والشواهد تدل على ذلك وقد زاد شرها واستشرى ضررها عندما سلكت طرقا وأساليب عبر من والاها من الحكومات والجماعات ذات الأجندات والأيدلوجيات التخريبية التوسعية والأطماع السياسية والإقليمية ؛ ألا يكون البيان أوجب وألزم وضرورة من الضروريات؟! بلى والله ديناً ندين الله به وعقيدة نلقى الله عليه لأننا ندافع عن دولة سنية سلفية تقوم على عقيدة التوحيد الخالص ومنهج الكتاب والسنة بفهم سلف الأمة، وولاة أمر ناصحين صدقوا ما عاهدوا الله عليه رفعوا راية التوحيد وحققوه، وطبقوا شريعة الله غضة طرية كما جاءت في الكتاب والسنة وانطلقوا منهما وأحكامهما في أعمالهم وعلاقاتهم الداخلية والإقليمية والعربية والإسلامية والدولية، فصدق في حقهم وعد الله تعالى القائل: ((يا أيها الذين آمنوا إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم)) وقوله تعالى: ((ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة ، وأمروا بالمعروف ، ونهوا عن المنكر ; ولله عاقبة الأمور)).
فنسأل الله تعالى أن يزيد بلادنا نصرا وعزا وتمكينا وأن يحفظها من كيد الكائدين وعدوان المعتدين وإفساد المفسدين.