د. فوزية البكر
لطالما قرأنا وتابعنا تغريدات لا تنقطع حول طبيعة ثقافة العمل لدى السعوديين وكانت وجهات النظر متضاربة جدا بين من يرفض جملة وتفصيلا الادعاءات الخاصة بسلبية الموظف السعودي وبين من يؤكدها عبر الاستشهاد ببعض الدراسات الوصفية في حين يميل بعض الدارسين إلى الغوص في عمق التاريخ الثقافي للمشهد السعودي ومدى تأثيره في واقع الموظف المعاصر وكل هذه النقاشات بلا شك ساهمت في إيضاح الموضوع من جوانب عدة وربما تساعدنا أيضا في بناء الهرم القيمي لثقافة العمل المطلوبة في المؤسسات السعودية حكومية وخاصة.
أرى أن هناك درجات من التعميم في بعض الطروحات ربما أحدثت بعض الضبابية ففي حين نرى أن الكثير من المنشآت الحكومية والخاصة تشتكي مر الشكوى من تدني قيم العمل الإيجابية لدى الكثير من الشباب السعودي نري أيضا أن الكثير من المنشآت العامة والخاصة قامت على أكتاف سعوديين وسعوديات أثبتوا أنهم أثمن من كل جوهر لكن ألا تلاحظون أن هؤلاء الناجحين والمبرزين هم من يعملون في وظائف مستقرة ذات دخل مجدي يوازي العمل المبذول ويحقق حياة كريمة تحبب للموظف الاستمرار والإخلاص في عمله في حين أن الشكوى تأتي من ذوي الأعمال المتوسطة والمتدنية ذات الدخل المحدود والمستبعدة من صناعة القرار داخل المؤسسات التي يعملون بها؟
كذلك أرى أن نظام التوظيف الحكومي يلعب دورا كبيرا في تفشي قيم اللامبالاة وعدم اعتبار العمل بيتا ثانيا يجب العناية به مثل الأسرة فإذا كنت أعرف أن لا أحد قادر على طردي من العمل مهما تسيبت إلا بقرار من جهات عليا فلماذا أقلق وإذا كنت أعرف أنني والزميل أو الزميلة الأخرى سنحصل على ذات نظام التقييم السنوي ولن يؤثر ذلك على رواتبنا أو حوافزنا فلماذا القلق؟
في رأي أن بعض خطوات صناعة ثقافة عمل متقدمة ربما تأتي من الآتي:
-التقنين التدريجي لنظام التوظيف الحكومي الذي يجعل الوظيفة الحكومية أبدية ما بقي الموظف فيها حتى يصل إلى سن التقاعد واستبدالها بنظام توظيف تعاقدي يربط البقاء في الوظيفة بكمية الإنتاج ونوعه.
-وضع نظام للحد الأدنى للأجور في سوق العمل وخاصة في القطاع الخاص يضمن عدم توظيف أحد (سعودي أو غير سعودي) في وظائف لا تحقق الحد الأدنى من متطلبات المعيشة الإنسانية بحيث تكون هذه الوظائف معبرا للسعوديين الشباب يتعلمون منها للصعود إلى وظائف أفضل بحكم الخبرة المتراكمة لديهم من العمل هنا وهناك كما يحدث لكل شباب العالم.
- وضع نظام المنتور (الرعاية الوظيفية) للموظف الجديد في أي موقع يوجد بحيث تتم رعايته ممن سبق حتى تتحقق تهيئة صحية ومستدامة لمناخ العمل مع التركيز على جعل جزء من ميزانية المؤسسة (ما لا يقل عن 15 %) مكرسة للتدريب والتنمية على رأس العمل.
-التخفيف من الآلية البيروقراطية الهائلة التي كبلت الرؤساء الإداريين في المواقع الوسطى بحيث لا يسمح لهم بمكافأة أو عقاب من يديرونهم مما يسمح بتفشي ظواهر سلبية تعم الموظفين ولا تخص بعضهم للأسف. الآلة البيروقراطية الهائلة التي تدير قطاعاتنا الحكومية والتي قصد منها التنظيم وحفظ حقوق الجميع غدت عقبة كأداء في طريق الإصلاح الوظيفي.
-تأكيد النماذج الإيجابية من الموظفين المتفانين ليس بسبب نسبهم للمدير أو قربهم من صانع القرار بل بسبب جدهم واجتهادهم وإعطائهم ما يستحقونه من حوافز وتقدير بمعنى أن الاختيارات لوظائف صناعة القرار يجب أن تكون لمن لديه الكفاءة وليس لمن أعرف وأطمئن له.
- التأكيد على جعل بيئة العمل بيئة محببة إيجابية وجميلة يرغب المرء في الحضور لها والبقاء فيها أطول فترة لأنها تمثله وتعبر عنه وليست مفروضة عليه.
- التقدير القيمي للجدية في العمل ونشرها خاصة عبر مؤسسات التعليم والإعلام وذلك للرفع من قيمة العمل الجاد مقابل ما يسري في الأوساط الاجتماعية أحيانا من تصفيق (لمهارة) التهرب من العمل أو الضحك على الرؤساء واعتبار التملص من العمل شطارة بحيث يصبح المقدر اجتماعيا هو المجتهد في العمل والعكس صحيح.
-الشباب والشابات السعوديون هم التكنولوجيا والتكنولوجيا هي مستقبل العالم وعلينا أن نستثمر في هذا الجانب بحيث نستفيد من الطاقات الشابة ونلحق الثورة العالمية التكنولوجية الرابعة (انظر في هذا الصدد كتاب: «الثورة الصناعية الرابعة» لمؤلفه البروفسور كلاوس شواب) وانظر أيضا: (تقرير استشراف المستقبل حتى عام 2050 والذي صدر من مؤسسة دبي للمستقبل نهاية العام 2016).