د. فوزية البكر
قضى سعود وأمضت البندري أكثر من ستة عشر عامًا في الدراسة الجادة لنيل الشهادة الجامعية في حقول أقنعهم المجتمع بأهميتها. سعود ومنذ نعومة أظافره كان يدرس في المدرسة أهمية العلوم الشرعية مقابل العلوم الدنيوية وهو كان خريجًا متفوقًا لمدارس تحفيظ القرآن في مرحلة الإعداد العام حتى المرحلة الثانوية ولم يجد صعوبة في العثور على مقعد في أحد التخصصات النظرية في إحدى الجامعات الإسلامية.
على ذات المنوال درست البندري في مدرسة للبنات بجوار دار أهلها مقتنعة عبر برامج التنشئة الاجتماعية المتضخمة حولها بأدوارها الأنثوية والمهنية المحددة وأنها ستعود بعد التخرج لتكون معلمة في ذات المدرسة وبذات الآلية والمناهج لمن سيأتي من بعدها من أجيال.
هكذا تشكلت التهيئة الاجتماعية الذهنية لكلا الجنسين: الذكر والأنثى: كل في فضائه الخاص بما يضمن إعادة إنتاج ذات التشكيل الاجتماعي بعلاقات مجتمع بطريركي قائم على الرعاية الأبوية، فتوقع التعليم وتوقع الوظيفة شيء مفروغ منه وهي ليست مهمة الفرد في أن يكون مكافئًا لما يبحث عنه سوق العمل بل هي مهمة الحكومة الأبوية والمجتمع أن يوفر العمل المناسب لهذه التخصصات حتى لو لم يوجد عمل أصلاً وهذا هو سر كل هذه الأعداد التي تنوء بها المؤسسات الحكومية فماذا حدث؟ لماذا لا يجد سعود عملاً في أي مكان وهو قد أمضي أكثر من سنة باحثًا عن عمل حتى وصل إلى مرحلة: أي عمل لكن دون جدوي في حين تقبع البندري ضمن قائمة انتظار هائلة بمئات الآلاف لوظيفة معلمة ربما تحلم بها (إذا وجدت) في قمة جبل ما في قرية ما تبعد عن مدينتها مئات الكيلومترات وهي أيضًا مستعدة لكنها في شبه المحال؟
كلاهما يقف متسائلاً بعد حلم التخرج الذي داعب مخيلتهما لسنوات وأحلام اليقظة عن الوظيفة والراتب والحب والزواج والمنزل وطفل يركض هنا وجدة رحيمة تلاعب طفلاً هناك فأين كل ذلك؟ أين تبخر؟
كلاهما يردد: ها نحن الاثنان كل في (مجاله الخاص) الذي لا يتحرك ولا حلول تلوح في الأفق. تبدو غصة الشباب وضيق ذات اليد وحزن الأهالي الذين يرون أبناءهم وبناتهم (يتسدحون) هنا وهناك في أرجاء المنزل لا يجدون ما يشغلهم سواء كانت وظيفة أو رياضة أو مجال اجتماعي برئ لشغل الوقت أو حتى قتله فماذا تتوقعون أن يفعل هؤلاء العاطلون؟
أرجوكم أجيبوني يا من تنعمون براحة الوظيفة الحكومية وأمان المنزل الملك والسيارة من دون أقساط والأبناء في المدارس الخاصة التي تعلم علوم الحياة ومهارات سوق العمل: لماذا أتخذتم القرارات الخطأ في حق شباب الوطن في حين تهربون بأنفسكم وأولادكم إلى ربيع المدارس الخاصة التي تعلم (ما يحتاجونه في سوق العمل) ويبقي لكم ما تصرفونه على رحلات الصيف وشقة أمريكا أو باريس في حين يعجز شبابنا العاطل حتى عن سداد ثمن قوتهم اليومي.
(بحسب إحصاءات الهيئة العامة للإحصاء بلغ عدد العاطلين السعوديين في نهاية عام 2016 ما مجموعه 647 ألفًا، منهم نحو 363.8 ألف عاطل يحملون شهادة البكالوريوس أو الليسانس، بنسبة 56 في المائة من إجمالي العدد. وشكلت العاطلات من حملة «البكالوريوس أو الليسانس» نحو ثلاثة أرباع السعوديات بنهاية العام الماضي، في المقابل بلغ عدد العاطلين الذكور من حملة «الثانوية وما يعادلها» نحو 110.9 ألف ذكر، يشكلون نحو نصف العاطلين الذكور مما يعني أن الإناث شكلن النسبة الأكبر من إجمالي عدد العاطلين في السعودية بنحو 64 في المائة ويشير التقرير إلى أن نسبة البطالة لم ترتفع كثيرًا عمّا قبلها حيث لم تتجاوز 11.6 في المائة في حين تشير تقارير صحفية أخرى إلى لأنها تبلغ نحو 36 في المائة).
في كل الأحوال تشير هذه الأرقام إلى ظاهرتين:
- أن البطالة بين الجنسين وتحديدًا من خريجي الجامعات آخذة في التزايد بشكل سريع وغير مسبوق كما أنها عند الإناث أضعاف أضعاف ما هي عند الذكور وهي في كل الأحوال مشكلة شخصية (للأطراف الشابة) واجتماعية وأمنية خطيرة لا يمكن التغاضي عنها طويلاً لأن آثارها مدمرة جدًا لنفسية الشباب وللنظام القيمي والأخلاقي للفرد والمجتمع، كما تعني إهدار مقدرات شابة وهكذا في وضح النهار. فهل من حلول؟
نعم: إعادة التأهيل المهني والثقافي أي إعادة بناء القدرات المهنية لهؤلاء الشباب والشابات في حقول مهنية عملية يحتاجها سوق العمل وإعادة تأهيلهم ثقافيًا ليتحملوا مسؤوليات أنفسهم ومسؤولية قراراتهم الخاصة التي يجب أن يعرفوا أنهم هم وهم وحدهم من سيتحمل نتائجها لاحقا ولا عزاء للندابين.