لبنى الخميس
لربما كان من حسن الصدف بالنسبة لي أن أتواجد في عديد من المؤتمرات والفعاليات التي احتضنت نخبة من الشخصيات التي أكِنُّ لها كل احترام ومهابة وتقدير، وأنال على فرصة للتعرف عليهم عن قرب واستشعار طاقة النجاح والإنجاز في أعماقهم، منهم على سبيل المثال الإعلامية الأمريكية أوبرا وينفري، والعبقري إيلون موسك والعالم فاروق الباز والبروفيسور روبرت والدنجر، ومؤخراً كنت محظوظة كفاية بمقابلة العالمة غادة المطيري أستاذة في الكيمياء الدوائية والهندسة النانوية ومديرة مركز التميز في طب النانو في معهد الهندسة والطب في جامعة كاليفورنيا، سان دييغو، في منتدى الاتصال الحكومي في الشارقة على هامش مشاركتها في جلسة حول التنمية المستدامة في المدن ودور الفرد والحكومات في ذلك. لم أتردد لحظة في دعوتها لإجراء مقابلة عبر حسابي الخاص في «سناب شات» ولم تتردد مشكورة في قبولها.
بعد التعريف عن نفسها في المقابلة، سألتها ما أكبر محفز لها، فأجابت عقلي وفضولي هما أكبر محفزين لي، وأتبعتها بنصيحة للشباب، اتبع فضولك، لأن عقلك يتساءل وإن لم تجبه لن تشعر بالراحة النفسية، وحين استفسرت عن أكثر ما يميز البيئة المهنية والأكاديمية في الولايات المتحدة التي تقطنها منذ سنوات، أكدت بأن الجميع لديه فرصة إن اجتهد وأبدع، النجاح في أمريكا بيدك. أما عن الشخصية التي تتمنى أن تجتمع معها على طاولة العشاء فهي الشيخة موزة المسند.
بعد انتهاء المقابلة، شعرت بأن البروفيسورة غادة لا تنتمي لعالم الأضواء والمقابلات، بل عالمة حتى النخاع تبدو على ملامحها علامات النبوغ والعبقرية، وجدت ضالتها في المختبر، بين أدواتها واختراعاتها، لذلك كانت تتأمل السقف بين الفينة والأخرى باحثة عن إجابة لسؤال أو إشارة تدلها عليه، كونها اعتادت على ملكة التفكير أكثر من حرفة الكلام.
حين شاركت المتابعين المقابلة فوجئت بأن فئة المراهقين الذين لا تتجاوز أعمارهم الـ 18 عاماً لا يعرفون من هي البروفيسورة غادة المطيري رغم أنها إحدى العالمات المؤهلات لتغيير تاريخ الطب البشري إلى الأبد، عبر اكتشافها معدناً يُمكِّن أشعة الضوء من الدخول إلى جسم الإنسان في رقائق تسمى «الفوتون»، بما يسهل معه الدخول إلى الخلايا دون الحاجة إلى عمليات جراحية. وبما يساعد على التحكم بأعضاء داخل الجسم دون الدخول إليه. كما يتحكم أيضاً بوقت العملية، باستخدام نوع من الضوء من أسهل وأرخص أنواع الأشعة. يدخل إلى الجسم والأعضاء ولكن الجسم لا يمتصه. فازت على إثره بأرفع جائزة بحث علمي في أمريكا. ما دفع رئيس الهيئة الصحية في أمريكا إلى تقديمه إلى الكونغرس الأمريكي كأحد أهم أربع اختراعات في ذلك العام.
يأتي ذلك النجاح والتميز وسط حالة فراغ مخيف لوجود قدوة في مخيلة وواقع الأجيال الخليجية، التي تتلفت حولها باحثةً عن شخصية تعتز بها، وتنظر إليها بإعجاب، فلا تجد سوى نماذج عالمية رائعة ومنجزة لكنها لا تشبهها، ولم تخرج من رحم واقعها ومحيطها، أو أسماء خليجية ذات فكر ينبض بالسطحية والتفاهة.
ساحتنا لازلت تعاني من شحّ وافتقار شديد للتنوع في القدوات والرموز، ما يجعل ظهور شخصيات ملهمة قدمت إنجازات حقيقية في سناب شات مثل غادة ظاهرة صحية لكنها نادرة نظير ما تقدمه من طرح مختلف، وفكر مستنير، ورسالة ذات أبعاد ثقافية واجتماعية وإنسانية، وإن كانت في قالب جديد وعصري «كسناب شات».