لبنى الخميس
يخلّد التاريخ القادة لأسباب مختلفة، منها أنهم صنعوا شيئاً من العدم، أو أحيوا الأمل في شعوب يائسة، أو جنبوها مآسي تاريخية، في سيرة كل قائد أقف أمام هذه الثلاثة أشياء.. تشرشل جنّب شعبه ولو بشكل جزئي مجازر هتلر، مارتن لوثر كينج أعاد الأمل بخطاباته للمستضعفين من السود أما شخصيتنا اليوم.. فصنعت الكثير من القليل.. وحولت قطعة صحراء منسية إلى وجهة للفرح والفرص ودرس لكل دول المنطقة.
اليوم سوف أحدثكم عن خمس خصال تميز أسلوب إدارة الشيخ محمد بن راشد وتجعله مدرسة حقيقة في الإدارة والتأثير لكل من يطمح أن يطلع على أساليب القيادة الحديثة.
1- الرؤية
في عام 2006 أصدر الشيخ محمد بن راشد كتاباً من 220 صفحة بعنوان «رؤيتي» تضمن فصولاً في السياسة والقيادة والتنمية وفرق العمل، أجاب فيه على أسئلة جوهرية.. وسرد فيه منهجية عمل مدينة دبي للوصول إلى القمة.. ورؤيته لمستقبل مدينته في السنوات القادمة، والأهم وضع فيه خطوات عملية لكل المهتمين في بناء رؤية أولها وضع خطة العمل، وبعدها تقسيم مراحل العمل، ومن ثم حشد الطاقات وأخيراً التوقيت.
رؤية الشيخ محمد بن راشد لوطنه وشعبه لا توضع مرة واحدة بل يجددها كل عام، حين يضع على رأس كل سنة عنوانا كبيرا وملهما لأجندة السنة وإنجازاتها، فمثلاً قبل أسابيع قليلة سمي عام 2017 عام الخير والسنة التي قبلها كانت عام القراءة والتي قبلها عام الابتكار. فوضع عنواناً سنوياً.. يساعدك على قيادة الناس باتجاه رؤيتك وهدفك.. وبرمجة المؤمنين بأفكارك على طبيعة الطريق الذي تمشي عليه والإنجازات التي تريد تحقيقها.
حتى على مستوى حياتك الشخصية.. سمي عامك.. عام العلم أو التغيير أو الارتباط أو إسعاد الذات وتطوير النفس أو غيرها حسب احتياجك.
2- إذا لم تكن في الطليعة.. فأنت في الخلف
إذا كان أباً عليه أن يحضّر أبناءه بجهده وإيمانه ومتابعته لهم لبلوغ المركز الأول.. فإن لم يحققوه فهم حتماً سيكونون ضمن المراتب الثلاثة الأولى. هذا ما يفعله الشيخ محمد مع شعبه وكل المؤمنين بمشروعه.. رفع سقف طموحه.. قدم لهم قاموساً لغوياً مختلفاً.. أبرز مفرداته.. المركز الأول.. الصدارة.. الريادة.. والقمة. كتب الشيخ محمد بن راشد مرة على حسابه في تويتر، «جاؤوني قبل مدة بمخططات لتوسعة مطار دبي قلت لهم لا أريد مطاراً لدبي، بل أريد دبي مطاراً للعالم، وصلت الرسالة وتغير التفكير».
في عالم القيادة.. إذا كنت تسعى لترسيخ رؤية جديدة غيّر قاموسك.. لا تستخدم لغة الكهولة وأنت تخاطب الشباب.. ومفردات المألوف والاعتيادي وأنت تنشد التفوق والريادة استخدم لغة تشبه حلمك.. صعّد نبرة خطابك الواثق بنفسك.. وردد كلمات تذكرك بشكل ولون وطبيعة الهدف والطموح الذي تسعى له.
3- القرار الصائب.. في الوقت الصائب
إذا كانت نسبة الإبداع والتركيز تتضاعف حين يختلي الفرد الواحد بنفسه، ويبتعد عن الضجيج، فكيف إن تحول هذا الفرد إلى مجموعة من القادة وصناع القرار؟
هذا المنهج القيادي ابتكره الشيخ محمد وأسماه بـ»الخلوة الوزارية» التي يناقش فيها الأفكار مع فريقه، بأجواء ذهنية صافية بعيداً عن ضوضاء المدينة للخروج بأفكار إبداعية. وصار منهج عمل حكومي.. قفبل إطلاق أي استراتيجية وطنية ضخمة يجتمع الوزراء ويشكلون فرق عمل في أجواء عصف ذهنية محمومة، وبعدها بأيام تتناول الصحف أبرز مخرجات هذه الخلوة من مبادرات وقرارات تخرج من قلب الصحراء إلى عمق التاريخ، كقائد لا تخاف أن تكسر المألوف وتخرج من غرف الاجتماعات المغلقة والتقارير الجامدة.. فلكي تنتج أفكاراً غير عادية امنح موظفيك بيئة عمل وابتكار غير عادية.
4- أكبر مخاطرة.. ألا تخاطر
الذي يرى ضخامة المشاريع وجنون الأفكار في مدينة طموحة مثل دبي.. لابد أن يلمح حس المخاطرة والمغامرة العالية، وما أزمة 2008 إلا دليل على ذلك. مشلكة وميزة الطموح بأنه خطر أحياناً.. مغرٍ ومرواغ في نفس الوقت.. مكاسبه كبيرة.. وخسائره كبيرة أحياناً لكن بدون التجربة لن تكسب أو تتعلم. دبي خاطرت مرات عديدة.. كسبت أحيانا وخسرت أحياناً أخرى لكن في حساب الربح والخسارة قدمت للناس ماذا كسبت وجعلت الحكم للمتابع؟
اليوم دبي تضم أعلى برج في العالم، أكبر سوق حرة في العالم، أكبر مطار في الشرق الأوسط، أكبر فري زون في العالم، أفضل خطوط الطيران؟ أضخم ميناء صنعه الإنسان، أكبر جزر صناعية، أكبر مركز تسوق، أكبر مدينة للإعلام، أكبر مركز مالي في الشرق الأوسط وغيرها الكثير..
«أخذ المخاطرة والفشل ليس فشلاً.. الفشل الحقيقي هو الخوف من أخد أي مخاطرة» - محمد بن راشد
5- المتابعة.. أصل الإنجاز
لا يوجد أسوأ من أنك تصل لمكتبك متأخراً في جهة خدمية لتجد رئيسك ينتظرك.. فما بالك برئيس الوزراء ينتظرك مع جموع المراجعين؟ هذا ما حدث حين قرر محمد بن راشد، أن يقوم بجولة تفقدية صباحية مفاجئة الصيف الماضي في إحدى الجهات الحكومية وتوقع أن يجد كبار الموظفين يؤدون مهامهم. لكنه تفاجأ بأن مكاتبهم خالية.. فأصدر أمراً بإحالة 9 موظفين كبار إلى التقاعد.. فكانت هذه رسالة قوية لكل موظفي حكومته، إيماناً منهم بأن الرؤية والخطط والعقول ورأس المال لا يساوي شيئاً بدون متابعة وحزم.