رجاء العتيبي
هل من المصادفة أن تظهر داعش في زمن معين وبشكل سريع فيخيل لنا أنها (باقية وتتمدد) عبر ضخ إعلامي ملأ فضاءنا, ثم بعد سنوات قليلة لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة نراها (تنكمش وتتلاشى) عبر ضخ آلة إعلامية تبين فساد هؤلاء البشر, وتتكالب عليها الأمم لتطردها من الأراضي التي استولت عليها أيام فورة نشاطها.
لم يكن جنود داعش هم الذين يظهرون في ميادين الحرب وطرقات المدينة وإنما هناك حرب إعلامية أخرى عبر قنوات التواصل الاجتماعي لم نكن نرى إلا هي, حسابات يمكن أن تصفها بالجراد لكثرتها, فيخل إليك أنها امتلكت مساحات واسعة من تويتر واليوتيوب والفيس بوك.
بالأمس ملأت داعش السمع والبصر وانتشرت خلاياها في كل دول الشرق الأوسط ما عدا (إيران وإسرائيل) وظهر من كل دولة أكثر (من جندي داعشي) وتحركت الخلايا النائمة وصار لها أم تحتضنهم في العراق وسوريا, وأعلنت الخلافة من مسجد الجامع الكبير في مدينة الموصل العراقية في شهر يوليو 2014م.
اليوم داعش باتت على مشارف الهلاك, حرب عليها في الموصل وتضييق في الرقة وتصفيات تطالها في ليبيا وتونس ونيجيريا وإبادتها في السعودية ما يؤذن بزوالها إلى غير رجعة.. ويبقى السؤال المحير, كيف بالأمس تظهر داعش بقوة ويبزغ نجمها, ثم فجأة تتضاءل أمام المجتمع الدولي ويخفت نجمها؟.. كيف لنا أن نفهم خفايا هذه الجماعة التي قيل عنها الكثير لدرجة التناقض؟.
المؤكد أن داعش أصيبت بالهزال يوم غادر (أوباما) البيت الأبيض, واختفت برحيله الحسابات السوداء وباتت إيران الأم الحنون للإرهاب تنشد السلام والوساطات هنا وهناك بعد أن كانت مصدراً للشرور, ما يجعلنا نتأكد أن الدعم المالي قد انقطع عنهم والمستشارون لم يعد لهم وجود والمشروع الدولي اندثر وتركه المغادرون خلفهم.
هذا يعطينا مؤشراً أن مشروع الشرق الأوسط الجديد بنسخته (الأوبامية) ومشروع (الفوضى الخلاقة) ومشروع (الثورات العربية) انتهت صلاحيته, بدليل أننا نرى (انفراجة) غير مسبوقة في الشرق الأوسط بمجرد أن اعتلى الرئيس الأمريكي (ترمب) كرسي البيت الأبيض قبل بضعة أشهر.
لن يتكرر سيناريو مشروع الشرق الأوسط الجديد، فالأمريكيون لا يكررون أنفسهم، فلهم في كل زمن مبادرة, ليس بالضرورة أن تكون (مؤامرة) وإنما مشروع يبقيهم أطول فترة ممكنة في هذا العالم لأنهم أكثر أمة عرفت أن (الأيام دُوَل), لهذا جاءت داعش بوصفها إستراتيجية تعطي لأمريكا البقاء فيما تعيد خصومها للمربع الأول.