رجاء العتيبي
يمكن أن نعرف (المنطق الفني) بأنه: عالم متخيل يأتي على شكل فيلم أو مسرحية أو رواية ... إلخ، تحكمه علاقات منطقية ليست بالضرورة كما هي في الواقع، ذلك أن نقل الواقع كما هو لا يعد فناً أبداً، ولا يمت له بصلة.
مثال: أفلام الأكشن، ترى أحداثاً تقبلها في سياقها الفني وتراها منطقية، مثل: بطولات خارقة، قتل، دمار، حيوانات تتكلم، رجل آلي ...إلخ. كل ذلك تقبله فنيا، رغم أنه مخالف للواقع، ولكنه في (منطقة الفن) تقبله، باعتباره فناً، بل تستمتع به وتعيش كل تفاصيله، ولا تستهجن الأحداث ولا الأشخاص ولا القصة ذاتها رغم أنها تخالف ما اعتدت عليه، والسبب أن ذلك محكوم (بالمنطق الفني).
المنطق الفني إذا اختل بات العمل الفني (هزيلاً) مثل: بعض مشاهد الأفلام الهندية (المنطق الفني) بها مبالغ فيه، أما في أفلام هوليوود فتقبل كثير من مشاهد الأكشن لأنها مصوغة بمنطق فني محترف غير مثير للاستهجان. رغم أنها لا تمت لقوانين الواقع بصلة..
بعض من أعمالنا المحلية مثيرة للاستهجان، لأن (المنطق الفني بها) مضروب.. يعني غير مقنعة فنياً. يعني غير مبررة. يعني (فكر) ضعيف, يعني يحتاجون لمراجعة النظام المعرفي لديهم وإعادة بنائه من جديد بما يتوافق مع المنطق الفني.
تطور المنطق الفني ودقته وعمقه مرهون بتطور (الفكر) وليس بالتمكن من الأدوات التقنية, فكلما تطور الفكر، تطور معه المنطق الفني، وصار استخدام التقنية أكثر احترافية، لهذا لا يعني توريد القطع الفنية أننا سنبدع في عالم الفنون، لأن الأمر مرهون بمدى تطور الفكر، وهو يحتاج إلى عقود وأجيال حتى يتطور ويكون قادراً على إنتاج أعمال مدهشة.
بمعنى إذا أردت أن تطور المنطق الفني، ارفع المستوى الفكري لأهل الفنون بجميع أشكالها وأنواعها، ثم تتطور أدواتهم الفنية بشكل مطرد، فليس كل من عمل فيلماً أو مسرحية أو كتب قصة قصيرة أو عمل نحتاً أو رسم لوحة أو صمم ديكوراً داخلياً.. أطلق على نفسه فناناً وصار يمشي بخيلاء ويتحدث بكبرياء، الأمر أكبر من ذلك.
الفكر تبنيه القراءة والنظريات والفلسفة، وهذا يحصل إذا كان لدينا أكاديميات ومعاهد وجامعات متخصصة في مجال الفنون، والفنون التي نقصدها هي (الجمال والدهشة) المبنية على منطق فني راقٍ وليس ما يتداوله خصوم الفنون، بحيث يصورونه بصور مسيئة، أما الذي يخطئ في عالم الفنون فخطؤه يتحمّله وحده.