رجاء العتيبي
اللقاء الذي أجراه الإعلامي تركي الدخيل مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وبثته قناة العربية مؤخرا، كان حاسما فيما يتعلق بمفهوم أردوغان عن العلمانية، وهو مفهوم يتعارض تماما مع (خليفة المسلمين) أردوغان كما كان يراه البعض أيام الثورات العربية، في دليل واضح على سيطرة العاطفة الدينية على مواقف الشارع المسلم.
لم يبرر أردوغان موقفه من العلمانية ولم يتهرب من السؤال ولم يجامل ولم يراع أحدا، وصف موقفه من العلمانية تماما كما هو حال حزبه (العدالة والتنمية) اتجاهها، فهو يؤمن بالعلمانية كنظام حكم تتساوى معه الأديان بذات المسافة، قال ذلك من دون مواربة ومؤكدا أنها لا تتعارض مع الإسلام.
وجاء في اللقاء ما نصه: «أنا أجد صعوبة في فهم سبب تفسير العالم الإسلامي في الربط بين الإسلام والعلمانية، نحن قمنا بتأسيس حزبنا وقمنا بتعريف للعلمانية... أولاً الأفراد لا يمكن أن يكونوا علمانيين، الدولة تكون علمانية هذه نقطة مهمة. والعلمانية تعني التسامح مع كافة المعتقدات من قبل الدولة، والدولة تقف من نفس المسافة تجاه كافة الأديان والمعتقدات. هل هذا مخالف للإسلام؟ ليس مخالفاً للإسلام».
وأضاف أردوغان: «لكن هناك من يحاول أن يؤول ذلك بتأويل آخر، وفي السنوات الماضية نحن كنا دائماً نعتبر العلمانية معاداة للدين أو العلمانية هي اللادينية.. نحن قلنا لا.. العلمانية هي فقط أن تضمن الدولة الحريات لكافة المعتقدات، وأيضاً أن تقف بنفس المسافة حيالها، وهذا هو مفهوم العلمانية عندنا».
وقال أيضا: «الفرد لا يمكن أن يكون علمانياً، والعلمانية ليست ديانة الدولة هي التي يمكن أن تكون علمانية، والعلمانية هي ضمان فقط حريات كافة الأديان والمعتقدات يعني العلمانية توفر الأرضية الملائمة لممارسة كافة الأديان ممارسة شعائرها الدينية بكل حرية حتى الملحدين، ولكن اعتبار العلمانية تسليط رأي أو موقف على المتدينين فهذا غير صحيح وغير مطلوب إطلاقاً».
هذا الموقف بات مثبتا في قناة (العربية) وموقع (العربية نت) ولا مجال للنقاش والتأويل والجدل حوله، أردوغان رجل مسلم يؤمن بالعلمانية كنظام حكم، في حين خليفة المسلمين المنتظر- أيا كان - لا أظنه يؤمن بذلك، لهذا لا مجال للمزايدات على الإسلام، ولا على القادة، ولا على الشعوب المسلمة.
علينا باستمرار أن نتنبه إلى الخطابات الدينية العاطفية التي تثير مشاعر الشارع العربي وفقا لقيم حزبية وطائفية ودفعه باتجاه خطاب أممي غير واضح المعالم قابل للتفسير بأكثر من وجه، وأن نؤكد العقل والمعرفة حكمان معتبران وسيدا الموقف حتى لا يجرفنا التيار خارج وطننا في أراضٍ لا تقبلنا فيها الأمم الأخرى.