رجاء العتيبي
علينا أن نقرأ مقالات علي العميم في نقده لمنهج عدنان إبراهيم المنشورة هذه الأيام، قراءة محايدة بعيداً عن التعصب لأحد الطرفين، نقرأها كرأي ووجهة نظر بغض النظر عن اتفاقنا أو مخالفتنا لها، نقرأها على أنها خط نقدي مواز للإنتاج المعرفي أو الإبداعي، وعلينا أن نسمع رأي عدنان إبراهيم بذات الموقف لا مع ولا ضد، وإن كنا مع أو ضد علينا أن نبقى في الحدود الطبيعية لرد الفعل.
إذا كان القارئ يعد نفسه مثقفا وتنويريا وصاحب معرفة، فلماذا ينزلق في دهاليز التعصب، ويقف من أحد الطرفين موقفا متعصبا سبا وتسفيها وإقصاء، لا بأس أن ننتقد عدنان إبراهيم، ولا بأس أن نأخذ على علي العميم بعض (تعميماته) في حق عدنان إبراهيم، ولكن لا تصل الأمور إلى (الحنق) على العميم، ولا على (التشفي) في عدنان إبراهيم.
نقبل مقالات العميم النقدية في منهج وأسلوب وفكر عدنان إبراهيم لأنها لم تنطلق من منطلقات (طائفية)، ذلك أن العميم باحث مستقل، لا ينتمي لتيار حزبي ولا ديني ولم يصنف نفسه هنا أو هناك، وهذا كفيل بأن نقرأ نقده في حق عدنان إبراهيم كحالة نقدية بدون أي موقف مسبق تجاهها.
وكذلك نقبل ردود عدنان إبراهيم وتعقيباته على هذه المقالات إذا انطلقت من منطلقات علمية وبحثية ومنهجية، ونحن نتوقعها كذلك فعدنان إبراهيم أيضا باحث مستقل، وأطروحاته كلها ضد الحزبية بجميع أنواعها.
لا نريد أن تدخل أساليب التعصب الرياضي إلى منطقة فكرنا وثقافتنا وإعلامنا، فإذا كنا نعذر الوسط الرياضي بتعصبه الأهوج، ومناكفاته التي لا تنتهي، تبعا للحدود الضيقة لثقافة الجماهير ووعيها وإدراكها، فإننا لا نعذر الوسط الثقافي والفكري وحتى الإعلامي أن ينقسما إلى فسطاطين مع العميم أو ضده، مع عدنان إبراهيم أو ضده.
العميم كتب سلسلة مقالات نقدية، وعلينا أن نقبلها كحالة نقدية/ صحية، لا أقل ولا أكثر، ولا تأخذنا العزة بالإثم ونتحيز لعدنان إبراهيم كصنم فكري نهلل ونكبر له، وكذلك لا نرفع العميم إلى مصاف النقاد الشرفاء الذين أزاغوا عن أعين الناس غشاوة وكشفوا الزيف.
هذا النوع من التفكير لا نراه إلا عند الأحزاب الطائفية التي تحب وتكره ضمن معايير الطائفة، فلا يهمها (الحالات النقدية الصحية) بقدر ما يهمها إسقاط خصومها بأي ثمن، لذا يحتفلون بأي نقد ينال خصومها، متناسين أن (العدل) هو أقرب للتقوى.
النقد حالة صحية، والمجتمع الذي لا يقبل النقد هو مجتمع مريض، وسيظل مريضاً ويعيد إنتاج مرضه، والمجتمع الذي يغيب النقد سيجد نفسه أمام أصنام بشرية صنعها بنفسه، وسيجد نفسه أمام منتج هزيل، وحضارة أحادية لا يحترمها العالم.