د. ناهد باشطح
فاصلة:
{وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا. وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا}
- سورة الإسراء
هذه عبارة أم أحمد «الله ينصرني منهم» التي صرخت بها في المحكمة، وظن الناس أنها أم قاسية، تدعو على أولادها، لكن الحقيقة التي فاجأتنا بها الزميلة «سمر المقرن» باحترافية مهنية عبر مقطع مرئي، سجلته ونشرته حين قابلت «أم محمد» عبر حسابها في برنامج «سناب شات».
مَن يحمي أُمًّا يتعدى عليها أولادها الكبار الذين تتجاوز أعمارهم العقد الثالث، ويعنفونها بأنواع العنف اللفظي والمادي ولمدة خمسة عشر عامًا، ولدينا أكثر من جهة تتحدث عن مكافحتها للعنف الأسري وحماية الضحايا؟!
امرأة مسنة، يشكوها أولادها إلى الشرطة وإلى المحكمة، ولا تتحرك تجاه مساعدتها أي جهة رسمية لدينا؟
أين جمعيتا حقوق الإنسان؟
أين برنامج الأمان الأسري الوطني؟
أين لجنة الحماية الاجتماعية في وزارة الشؤون الاجتماعية التي تحولت إلى وزارة للعمل؟
لن أتحدَّث عن غرابة المشهد أو تفاصيله المؤلمة؛ فالخير والشر موجودان في كل المجتمعات الإنسانية.
لكن المجتمعات الواعية تسن القوانين، وتتابع تنفيذها لتنظيم الحقوق، وتنفيذ العدالة.
كيف تُترك هذه الأم مع بناتها في حالة رعب من عنف أولادها الكبار، ولا تقوم الشرطة بدورها حين تكون حالة العنف في دارها؟
قبل سنوات كانت عيوننا تشهق إذا ما سمعنا أو قرأنا قصة عقوق لأبناء تجاه والديهم؛ لأننا مجتمع مسلم، لكننا أدركنا أننا لسنا مجتمعًا مثاليًّا، والجرائم وجدت حتى في زمن الرسول الكريم، إنما المحك هو تطبيق العقوبات على المعنفين وفق ما نادى به الإسلام من الرحمة والعدالة.
تشير دراسة سعودية أجرتها وزارة الشؤون الاجتماعية على مستوى المملكة تحت عنوان (العنف ضد كبار السن) إلى زيادة معدلات العنف ضد كبار السن في مجتمعنا، وأن أكثر أنواع الإيذاء يتمثل في الإهمال؛ إذ بلغ المتوسط 2.8 في المائة، يلي ذلك الإيذاء النفسي بمتوسط 2.49 في المائة.
الدراسة أوصت بتوفير دعم المؤسسات المتخصصة ومساندتها للمسنين؛ لتتحمل جزءًا من مسؤوليتها لحل مشكلات المسنين. هذه الدراسة كانت في عام 2006، ولكم أن تتخيلوا كيف تغيّر الوضع خلال أكثر من عقد من الزمان، مرت فيه بلادنا بقفزات تطورية مجتمعية. من المعروف علميًّا أن ذلك التطوُّر يرافقه ارتفاع في مستوى الجرائم، ويبرز فيه نشاط مؤسسات المجتمع المدني.
والمسنات في مجتمعاتنا العربية أكثر تعرضًا للعنف من الرجال؛ لأنهن يعشن أطول، ويتسمن بالوهن العضوي، بمفردهن بنسبة أكبر من الرجال.
وهذه الأسباب مهدت إلى ظاهرة تأنيث الجريمة ضد كبار السن. ولأنهن معرضات للعنف يقعن في دائرة الخوف بسبب نقص ثقتهن في كفاية ما يتوافر لهن من حماية وأمن. هذا ما كشفت عنه دراسة الباحثتين المصريتين (د. عزة عبد الكريم ود. عزت حجازي) في بحثهما عن ظاهرة العنف ضد المسنات.
لن أيأس أن تتحرك مؤسساتنا الرسمية لحماية أم محمد، ولنتجاوز الجهود الفردية إلى جهد مؤسساتي لتحقيق العدالة.