سلمان بن محمد العُمري
معظم الناس تقلب بين الحين والآخر الصورة القديمة والوثائق العتيقة لديها وتجتر الذكريات الجميلة وهناك من يحتفظ إلى جانب ذلك بمقاطع مرئية لمناسبات عائلية أو اجتماعية، ولا تقتصر مشاعر الفرحة على صاحب الشأن بل تجد بعضهم يحب أن ينقل هذه المشاعر للآخرين وخاصّةً من المحيطين به وممّن لهم علاقة بما لديه من وثائق وصور قديمة، ومع الانتشار والتوسّع التقني أصبح المشاركون والمطّلعون على هذه الوثائق والصور ليسوا آحاداً ولا عشرات ولا آلافا بل ربما تجاوز عدد المشاهدين للمقاطع والصور مئات الألوف بل والملايين.
والمتّفق عليه بين الجميع في الحنين للماضي بأنّه «الزمن الجميل» وربّما تجاوز بعضهم بمقولة ليت الزمن يعود وكأنّه يتذمّر من هذا العصر وما فيه بروحٍ تشاؤميّة يغلبها اليأس والقنوط وكأنه لم يرَ نعيماً قَط، ولو أبصر ما حوله وما حباه الله لوجب عليه الاستغفار والاعتذار للمولى على الجحود وعدم شكر الله على ما أنعم.
إنّ الماضي جميلٌ وذكرياته وما فيه من أحداث يستذكرها الإنسان بحلوها ومرّها، ولكنّنا- ولله الحمد- على المستوى العام والخاص يجب أن نزجي الثناء والحمد للمنعم - جلَّ جلاله - فيما لقيناه من نعيم العيش ورغده ومن المترفات والكماليات يستوجب علينا شكر هذه النعم وليس على الجانب الدنيوي فحسب بل حتى على الجانب الدّيني كان آباؤنا يتمنّون لقمة العيش فبإذا بنا -ولله الحمد- نبعث بالصدقات والمعونات للبلدان التي كان أبناء هذه البلاد يذهبون إليها لطلب المعيشة والرزق، وكان الناس يتمنّون زيارة البيت الحرام والحج وأداء الركن الخامس من أركان الإسلام فلا يستطيعون إلى ذلك سبيلاً إما لقلّة ذات اليد أو لانعدام الأمن في الطريق، والآن توفر الأمن والأمان والرخاء وأصبح كل فردٍ منّا يؤدّي فريضة الصلاة في مدينته والفرض الآخر في المسجد الحرام مع توفّر وسائل النقل وتوفّر المادّة، والصحة، والأمن، وكل السبل الميسّرة لذلك.
انظر إلى مساكننا وملابسنا ومشربنا وقارنه بما كان وما هو الآن؟ لقد كان الناس يضربون أكباد الإبل ليحضروا قربة ماء، والآن نشرب من ماء البحر ومن كان يتوقّع ذلك، وفي السابق كان التمر إن وجد في بعض البيوت هو الإفطار والغداء والعشاء.
ونحن في زمنٍ- ولله الحمد- يأتينا من الخيرات والأطعمة والفواكه والخضراوات ما لا يمكن حصره وعدّه، ونسكن في بيوت جميلة فيها ما يزيد على المقوّمات الأساسية وكل وسائل الترفيه والرفاهيّة ممّا يدار باليد والأجهزة التقنية، وكان الأولون في بيوت الشعر وبيوت الطين التي تضطرب قلوب ساكنيها مع هبة ريح وقطرة مطر خشية السقوط فلله الحمد والمنة.
كنا في السابق وكان آباؤنا في حالة بؤس وعناء ليس في حال الدنيا ومعيشتها وما يعانونه من أمراض ولا يجدون سبيلاً للعلاج، بل أعظم من ذلك حتى فيما يتعلّق بتعلّم أمور دينهم. فمن كان يجيد القراءة والكتابة في البلدة الواحدة يعدون على الأصابع وهذا الجهل في العلم انعكس على جهل الناس بأمور دينهم بل كانت الناس تلحّن في قراءة الفاتحة ولا يحفظون إلا قصار السور مع عدم الإتقان، وفي هذا الزمان كم لدينا من حلق التحفيظ ومن الحفاظ من البنين والبنات ومشاهير القراء الذين وصلت أصواتهم أصقاع المعمورة، وهذا بفضل الله ثم ما ننعم به من خيرات وما قام به أهل الفضل والإحسان بدعم أهل القرآن مع ما تبذله القيادة الرشيدة الراشدة لهم.
إنني أخشى أن يكون الحنين للماضي فقط هو الباعث على ترديد بعضهم لمقولة: «الزمن الجميل» وكأنّهم يندبون حظّهم على هذا الزمان الذي نعيش ونتفيّأ فيه من الخيرات والنعم التي لا نعدها ولا نحصيها، وهذا قد يولد اليأس والإحباط والقنوط وهو أمر غير محمود أولاً ولا شرعاً ولا عقلاً فمن الواجب التحدث بنعم الله علينا، وأن نشكر الله سبحانه وتعالى على ما وهبنا إياه ونعمل على حفظ النعم، والأمر الآخر أننا في نعمة حقيقية وسلمنا الله سبحانه وتعالى من الفقر والأمراض والمحن والفتن والجهل وسائر الأمور التي نغّصت على السابقين، وأن نتفاءل ونكون مستبشرين لا منفّرين وأن ننظر لمن حولنا فمن يعيشون في ضيق العيش، واضطراب الأمن، وأن نحمد الله - سبحانه وتعالى - على ما نحن فيه من زمنٍ جميل، وأن نتفاءل بأنّ القادم أجمل، وألا نتأفف من زماننا وأحوالنا.