سلمان بن محمد العُمري
شاهدت مقطعاً للبطل النقيب المظلي بالقوات البرية عامر الرميح الذي سجل مع مجموعة من زملائه صورة من صور الإخلاص والفداء والإيثار والتضحية وهم يذودون عن حمى الدين والوطن في ملحمة سيسجّلها التاريخ ويطهّرون الحدود وما جاورها من الحوثيين الأنجاس وما جرى لهم من أحداث ومواقف تستحق الإشادة وتخليد الموقف بمداد من ذهب في سجلات التاريخ الناصع للأبطال الأفذاذ تقديراً لمواقفهم البطولية.
لم يشتك البطل مما عاناه وما تأثر به من إصابة ولم يظهر عليه ملامح الأسى والحزن والألم وهو يفقد إحدى قدميه مع إصابات متفرقة مع زملائه الذين نالوا شرف الشهادة، كان الحماس والإخلاص وحب الوطن يسري في دمه وهو يتحدث وكأنه على الجبهة بل ويتمنى لو عاد مرة أخرى لارتداء ملابسه العسكرية للدفاع عن حدود البلاد، ومشاركة زملائه على الجبهة، وكان حديثه مفعماً بالصدق والحيوية ويعبر عن مشاعره الفياضة التي تمثل صورة صادقة وناصعة لأبناء هذا البلد المبارك، هذه المشاعر هي كما كانت في ساحة ميدان القتال قبل وأثناء وبعد انفجار لغم أفقده قدمه وكسر يده، وكانوا قبل ذلك في محاولة لنقل جثمان أخيهم وزميلهم الشهيد ثم إصابتهم باللغم الأول الذي أصاب بطلاً آخر.
كانت رواية البطل عن الحادثة التي أصيب بها هو وبعض زملائه واستشهاد زميلهم تنم عن الروح الأخوية والإيثار وإنكار الذات وكأنهم يذكروننا بالرعيل الأول الذين سجل التاريخ مواقفهم.
نعم، لقد ذكرونا بصحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الذين آثروا إخوانهم بحياتهم. وهذا غاية الجود، ومنتهى البذل والعطاء، ففي غزوة اليرموك قال عكرمة بن أبي جهل: قاتلت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في مواطن وأفرُّ منكم اليوم؟! ثمَّ نادى: مَن يبايع على الموت؟ فبايعه عمُّه الحارث بن هشام، وضرار بن الأزور في أربعمائة مِن وجوه المسلمين وفرسانهم، فقاتلوا قدَّام فسطاط خالد حتى أُثْبِتُوا جميعًا جراحًا، وقُتِل منهم خلقٌ، منهم ضرار بن الأزور - رضي الله عنهم - فلمَّا صرعوا مِن الجراح استسقوا ماء، فجيء إليهم بشربة ماء، فلمَّا قربت إلى أحدهم نظر إليه الآخر، فقال: ادفعها إليه. فلما دُفِعَت إليه نظر إليه الآخر، فقال: ادفعها إليه. فتدافعوها كلُّهم - مِن واحد إلى واحد - حتى ماتوا جميعًا ولم يشربها أحد منهم - رضي الله عنهم - أجمعين.
روى البطل عامر الرميح بعضاً من مآثر زملائه ومواقفهم حينما فوجئوا أنهم وسط حقل ألغام، فانفجر لغم في أحد رفاقه، وظل القائد يرفع معنويات زملائه ويردّد: «لا أحد يتحرك»، ويوصيهم بالثبات ليكون نصيبه بعدها انفجار لغم آخر أفقده قدمه وكسر يده, وبقي بعدها يردد: « لا أحد يتحرك «، فهو على الرغم من صعوبة ظروفه لم يكن همه سوى سلامة رفاقه ونجاح العملية الّتي ضحى بحياته من أجلها، ولم يكن هذا حاله فقط بل كانت المشاعر للجميع رغم هول الموقف وتناثر الألغام وإصابتهم بلغمين متتالين واستشهاد زميلهم قبل ذلك ولكنهم نسوا أنفسهم وحملوا زملاءهم على ظهورهم والحق أنهم حملوههم في قلوبهم كما حملوهم ليعبروا فيهم إلى الحدود وخط الأمان.
كانت الساعات كما هي مليئة بالرهبة والخوف من رصاص القناصة والألغام المزروعة ولكن المشاعر الإنسانية والأخوية والبطولية غلبت ذلك فضحوا بأنفسهم وتناسوا أنفسهم وكل منهم يريد أن يسبق زملائه في المقدمة ليكون فداء لهم وهذا ما حصل مع البطل عامر الرميح فلم يتأخر ولم يتردّد حتى أصيب باللغم ليواصل بقية الزملاء التنافس على المقدمة وحمل زملائهم والتعرض للألغام، لم يعتريهم اليأس ولا القنوط وامتدّت الروح المعنوية العالية حتى وهو يروي قصة الحدث مع أمنياته بالعودة للميدان.
تصوير الموقف ورواية ما فيه من مشاعر لم يتوقف عند هذا البطل لوحده، بل شمل زوجة البطل التي كانت مشاعرها لا تقل عن زوجها حباً وفداءً للدين والوطن، فقد كانت خير مواسية لزوجها بل وفخورة ومعتزة بجهاده وتضحيته وتعد أن يكون ابنها عبدالعزيز خلفاً لوالده في الميدان العسكري وتعتبر أنّ ما قام به زوجها سيكون وساماً لعائلته جميعاً، فلم يذرفا الدموع والتباكي على الحال والمآل؛ ولكنهم يفخرون ويستنهضون إخوانهم في استمرار الإخلاص والتضحية، وهذه المشاعر الصادقة للزوجة المخلصة هي مشاعر كل أم وزوجة وبنت وأخت سعودية ولذا فلا غرابة أن نرى الأبطال يقدمون هذه الصور البطولية المخلصة طالما أن خلفهم أمهات الرجال وأخوات الرجال.
وفي الختام لا يسعني إلا أن أهنئ وطننا الغالي بأبطاله ورجاله الأوفياء أمثال البطل «عامر الرميح»، عوّضه الله خيراً مما فقد برجل ينزل بها الجنة على صبره واحتسابه، ورحم الله الموتى وتقبلهم في الشهداء، وحفظ الله جندنا ونصرهم على أعداء الملة والدين وحفظ الله بلادنا من كيد الكائدين وشرور المعتدين.