الإسلام والمسيحية هما أكبر الأديان اليوم وأكثرها أتباعًا؛ ولذلك سأدخل إلى موضوعي من خلال نصين إسلامي ومسيحي.
فالإسلام جعل ارتكاب الذنوب شرطًا لبقاء البشرية.. تخيلوا ذلك !! أعيدُ وأكررُ عبارتي لأهمية التركيز فيها: (جعل الإسلامُ ارتكابَ الذنوبِ شرطًا لبقاء البشرية). والنص في هذا صحيح وصريح، وهو قول النبي محمد عليه السلام: (والذي نفسي بيده لو لم تذنبوا لذهب الله بكم وجاء بقوم يذنبون فيستغفرون الله فيغفر لهم). أخرجه مسلم وغيره.
والحقيقة أن اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء شرحتْ الحديث بما يؤكد كلامي السابق، حيث نجد في فتاوى اللجنة الدائمة هذه الفتوى حول معنى الحديث: تقول اللجنة: « ومعنى الحديث هو أنه لو لم تقع ذنوبٌ من بني آدم؛ لأزالهم الله عن هذه الحياة، ولأتى بغيرهم تقع منهم الذنوب ويستغفرون الله فيغفر لهم، ولكـن الواقـع أن بني آدم تقع منهم الذنوب ومنهم من يستغفر الله فيغفر الله له، ولهذا أبقاهم».
وفي المسيحية نجد قصة واضحة الدلالة في تأكيدها على استحالة وجود إنسان لا يقع في الخطأ والذنب، وهي القصة التي جاءت في العهد الجديد – إنجيل يوحنا - الآيات الأولى من الإصحاح الثامن، وهي: 1 - أَمَّا يَسُوعُ فَمَضَى إِلَى جَبَلِ الزَّيْتُونِ.2 - ثُمَّ حَضَرَ أَيْضًا إِلَى الْهَيْكَلِ فِي الصُّبْحِ، وَجَاءَ إِلَيْهِ جَمِيعُ الشَّعْبِ فَجَلَسَ يُعَلِّمُهُمْ.3 - وَقَدَّمَ إِلَيْهِ الْكَتَبَةُ وَالْفَرِّيسِيُّونَ امْرَأَةً أُمْسِكَتْ فِي زِنًا. وَلَمَّا أَقَامُوهَا فِي الْوَسْطِ. 4 - قَالُوا لَهُ: «يَا مُعَلِّمُ، هذِهِ الْمَرْأَةُ أُمْسِكَتْ وَهِيَ تَزْنِي. 5 - وَمُوسَى فِي النَّامُوسِ أَوْصَانَا أَنَّ مِثْلَ هذِهِ تُرْجَمُ. فَمَاذَا تَقُولُ أَنْتَ؟» 6 - قَالُوا هذَا لِيُجَرِّبُوهُ، لِكَيْ يَكُونَ لَهُمْ مَا يَشْتَكُونَ بِهِ عَلَيْهِ. وَأَمَّا يَسُوعُ فَانْحَنَى إِلَى أَسْفَل وَكَانَ يَكْتُبُ بِإِصْبِعِهِ عَلَى الأَرْضِ.7- وَلَمَّا اسْتَمَرُّوا يَسْأَلُونَهُ، انْتَصَبَ وَقَالَ لَهُمْ: «مَنْ كَانَ مِنْكُمْ بِلاَ خَطِيَّةٍ فَلْيَرْمِهَا أَوَّلاً بِحَجَرٍ!» 8- ثُمَّ انْحَنَى أَيْضًا إِلَى أَسْفَل وَكَانَ يَكْتُبُ عَلَى الأَرْضِ. 9- وَأَمَّا هُمْ فَلَمَّا سَمِعُوا وَكَانَتْ ضَمَائِرُهُمْ تُبَكِّتُهُمْ، خَرَجُوا وَاحِدًا فَوَاحِدًا، مُبْتَدِئِينَ مِنَ الشُّيُوخِ إِلَى الآخِرِينَ. وَبَقِيَ يَسُوعُ وَحْدَهُ وَالْمَرْأَةُ وَاقِفَةٌ فِي الْوَسْطِ.10- فَلَمَّا انْتَصَبَ يَسُوعُ وَلَمْ يَنْظُرْ أَحَدًا سِوَى الْمَرْأَةِ، قَالَ لَهَا: «يَا امْرَأَةُ، أَيْنَ هُمْ أُولئِكَ الْمُشْتَكُونَ عَلَيْكِ؟ أَمَا دَانَكِ أَحَدٌ؟»11- فَقَالَتْ: «لاَ أَحَدَ، يَا سَيِّدُ!». فَقَالَ لَهَا يَسُوعُ: «وَلاَ أَنَا أَدِينُكِ. اذْهَبِي وَلاَ تُخْطِئِي أَيْضًا».
والخلاصة التي تهمنا من القصة هي قول السيد المسيح عليه السلام: (من كان منكم بلا خطيئة فليرمها بحجر). فهي تتناغم وتنسجم مع قول النبي محمد عليه السلام: (لو لم تذنبوا لذهب الله بكم).
والحقيقة هي أن الكثير من الأديان والفلسفات المختلفة تتفق في كلِّ العصور تقريبًا على هذه الحقيقة، وهي أنه لا يوجد إنسان بلا ذنب أبدًا. مع ضرورة استثناء المجانين مثلا، ومن يموت مبكرًا من صغار الأطفال.. وغيرهم من الذين قد يصح وصفهم بالأبرياء.. والأمر عندي نسبيٌّ فيما يتعلق بالمجانين والأطفال وما شابه.
إن هذه المسألة التي استشهدنا لها بنصين من المسيحية والإسلام موجودة أيضًا قبل الإسلام وقبل المسيحية، فمنذ فجر تاريخ البشرية والإنسان يردد مثل هذه الأقوال في أدبياته وفلسفاته، فعلى سبيل المثال نجد الأديب السومري في بلاد الرافدين القديمة يقول: «لم يوجد إنسان بريء منذ القدم». ومثل ذلك أو قريب منه موجود بصياغات مختلفة في الكتب الهندية والمصرية والفارسية القديمة، وموجود في اليهودية أيضًا، وفي غير ذلك من الأديان والفلسفات.
والزبدة التي كتبتُ كلَّ ما سبق لأصل إليها، هي أنه من المتحتم على كلِّ فرد استحضار هذه الحقيقة دائمًا، عند تعامله مع أيّ إنسان؛ لأنه بهذا الاستحضار سيرتاح كثيرًا، وسيستطيع أن يتفهم أيَّ إنسان في كل حالاته، وسيكون أكثر رَوِيَّة وحكمة وهدوءا وتوازناً وهو يتعامل مع أيّ خطأ يقع من أي إنسان.
ولا أدري لماذا يلحُّ عليَّ في الخروج بيتُ أبي الطيب؛ ليكون خاتمة تعضد ما سبق في هذه المقالة:
وَالظّلمُ من شِيَمِ النّفوسِ فإن تجدْ
ذا عِفّةٍ فَلِعِلّةٍ لا يَظْلِمُ
- وائل القاسم