خالد بن حمد المالك
قبل عشر سنوات دعانا المدير العام لمرور الرياض الأسبق إلى زيارة لمقر مرور الرياض بتوجيه كريم من الملك سلمان حين كان أميرًا لمنطقة الرياض؛ وذلك للاطلاع على غرفة العمليات الإلكترونية المستحدثة إلكترونيًّا لمعالجة الخلل في إدارة المرور في الرياض؛ لنتابع آليًّا وبالصورة من هناك حركة السير في جميع شوارع الرياض ضمن التخطيط لتنظيم حركة المرور، والسيطرة على الفوضى التي تعم وتعج بها الشوارع واحدًا بعد الآخر، ودون استثناء.
* *
كنتُ من بين مجموعة من الزملاء في أسرة تحرير صحيفة الجزيرة، نصغي جميعًا في انتباه شديد وذهول مما نراه من إنجازات واستعدادات وتخطيط مدروس، وهو ما لم نكن نتوقعه، أو يخطر على بال أي منا. يومها خرجنا بانطباع يطغي عليه الفرح بأن فوضى المرور بالرياض التي لا مثيل لها في أي عاصمة أخرى في هذا الكون لن تكون كذلك بعد اليوم، وأن الرياض ستكون مُلهِمة مروريًّا لغيرها من مدن المملكة، تحاكي مرور الرياض بهذا الذي رأيناه، وتُستنسخ تجربته الرائدة في بقية مرور مدن المملكة.
* *
كانت الصالة بسعتها، وجمال تصميمها، وهذا العدد الكبير من أجهزة الكمبيوتر ذات الشاشات الكبيرة، والشباب المؤهل من العسكريين المناط بهم تشغيلها، وإدارة حركة المرور آليًّا من خلال هذه الأجهزة، وبهذه القاعة المصممة بتقنية عالية، وكأن هذه المشاهد تتحدث لنا عن موت الفوضى المرورية من الآن في مدينة تُعَدُّ من أكثر العواصم العالمية ازدحامًا بعدد السيارات المستخدمة فيها، وعدد السكان المقيمين فيها.
* *
خالجنا يومها شعور غير عادي، مكانه التفاؤل لا اليأس، بأننا أمام هذه المشاهد، والصور، والكلام الجميل، لن ننتظر طويلاً حتى تُحلَّ معضلة المرور المستعصية في عاصمة كبرى ومهمة وتاريخية، هي الرياض، غير أن السنوات تمضي سريعًا، ومرور الرياض اليوم كما كان عليه آنذاك، بل أسوأ؛ إذ لا وجود له على الأرض، ولا في مخرجات تلك القاعة الجميلة التي دُعينا لها، وخدرتنا كل هذه السنوات من أن نتساءل باستغراب: أين هو مرور الرياض؟!
* *
كانت الشاشات ترصد أمام أنظارنا كل شوارع الرياض، وتضع العاصمة بكل شوارعها بين أنظارنا، ونشاهد ما هو مزدحم منها، أو كان سريع الانسياب، ومثل ذلك الحوادث، والمخالفات المرورية؛ فكل شاشة ترصد من زوايا مختلفة عددًا من الشوارع، والقائمون على هذا الإنجاز يخاطِبون من غرفهم المكيفة مَنْ يكون مسؤولاً عن معالجة أي مشكلة مرورية طارئة بشكل سريع، والعمل بما لا يعيق حركة المرور، أو يسبب ازدحامًا على الشكل الذي نراه الآن في مدينتنا الغالية.
* *
ما الذي يحدث الآن؟ لا أحد من رجال المرور نراه في الأرض أو في الجو يرصد حركة المرور، ويفكر في حلول لها، مخلين أمام المتهورين المجال لقطع الإشارات المرورية وهي باللون الأحمر، وأخذ الاتجاه المعاكس في الطريق اختصارًا للوقت، وممارسة السرعة الجنونية ما لم تكن (ساهر) بجهازها حاضرة في الطريق، وإن شئت فأضف إلى ذلك الوقوف في المكان الخطأ، وقائمة أخرى من المخالفات - وهي كثيرة - ولكن مرور الرياض يحتاج - بحسب ما نراه - إلى إنعاش من نوع خاص؛ فقد طال بنا الانتظار على مدى سنوات، ونحن ما زلنا بانتظار خروجه من غرفة العناية الفائقة إلى تلك الصالة الجميلة بأجهزتها المتطورة، ومن ثم تفاعله في الميدان.
* *
هذه الكلمة لن تحل المشكلة ما لم يُحاسَب رجل المرور ومسؤول المرور، واعتباره مخالفًا كما هو قائد المركبة في هذه المشاهد التي نراها، ما لم يقم بدوره ومسؤوليته في تتبُّع المخالفات، وتطبيق القوانين والأنظمة والتعليمات ذات الصلة بالمرور. فالدورات الداخلية والخارجية لرجال المرور، والاطلاع على تجارب الآخرين الناجحة، واستخدام كل المخترعات والتقنيات والأجهزة المتطورة، كلها بلا قيمة إن لم يتم التنفيذ الدقيق للنظام، وبحزم على الأرض.
* *
أمس في حي الصحافة - وهذه حالة تتكرر دائمًا - كنتُ أقف عند إشارة المرور مع آخرين وهي حمراء في حي الصحافة (شارع العليا العام)، وكان اتجاهي غربًا نحو شارع (الملك فهد)، فإذا بأحدهم لا يقف عند الإشارة، ثم يتجاوز الإشارة الأخرى على طريق الملك فهد وهي حمراء أيضًا، وربما واصل مخالفاته دون أن يكون هناك رجل مرور واحد سري أو غير سري لحماية الناس من خطر تجاوزه إشارات المرور باستهتار وعدم مبالاة؛ وذلك لمعرفته بأنها بدون كاميرات (ساهر)، وبلا تواجد مروري للقبض عليه.
* *
يا مرور الرياض بضباطه وأفراده.. إن إخوانكم المواطنين والمقيمين شديدو الثقة بكم، فلا تخسروا ثقتهم، وبادروا بالعمل على ما يعطي أحسن الصور والانطباع عنكم وعن مدينتكم، وجدِّدوا العزم والحزم على أن يكون مرور الرياض هو القدوة التي تُحاكَى في بقية مدن الملكة، في السيطرة على الفوضى المرورية التي تتجذر، ومعها يزداد عدد الوفيات والإصابات، والمتهمون فيها سائقو المركبات، مع صك براءة (بالخطأ) للمتهم الآخر المهم، أعني أنتم، أعني رجال المرور!