رمضان جريدي العنزي
للعرب حالة توتر ومحن وجزع، هرج ومرج وركام احتراق، أرضهم منهكة بالتعب، ويستنشقون الرماد، من أثر التناحر والتباغض والحروب، والعدو الذي لا يستكين، بدر العرب ما عاد مستديرًا، ولا الطريق طريق، ولا رحيق القرنفل رحيق، والعقيق ما عاد عقيقًا، والظل ما عاد رفيقاً، ضوء الحدائق خبأ، والعواصف غاضبة، والسفين ما عاد يقل الغريق، كبرت الكوابيس والسخام، والنصوص توارت في تحديات الخطاب، والبناء ما عاد بناء، صار فناء، صار جماجم ودماء، واليمام ما عاد يغني، والحمام رمز السلام لم يعد ذاك الحمام، والبذور التي نثرت في الحقول أتلفها الدم، صارت حجر، رقص الوجع، تحوصل في القلب دون انكفاء، والمطارق تدق دون هوادة، صارت الطرق إلى الحياة مغلقة، ومسافات الوجود تضيق، والبارود يعلو، والنحيب نحيب، وسنابل الجنون تطول، صخب، صخب، والهواجس تشرع في القلب وجعًا، ضباب كثيف، والبنادق تعزف لاستجلاب اللحن الحزين، ثمة ريح، وقناديل لا تضيء، وملح الأرض يفور، والحلم تهشم، وغصن السلام كسير، النخل أشباحًا، والطريق ظلام، واللص الغريب صار قصة تحكى، وكيف يحاول أن يصادر لحن العرب واللغة والأرض والمفردة، تغطرس هذا اللص الغريب، أزبد وأرعد، يريد أن يسرج خيول العرب أسرجة بالية، ويقحمهم في بطن الحوت الكبير، ويصفد الأغلال في المعاصم، يريدهم فوضى تدب البيوت، يريدهم قيعان قتل، وأودية ذئاب، وأمة غارقة في القتل والذبح والمغامرة، أمة لا تعرف الهدوء ولا الاستكانة، يريد أن يكمل حزنهم، ويصب في كأسهم السم الأخير، ما فتئ هذا اللص الغريب أن يبطئ مسافاتهم وأحلامهم وترانيم عشقهم الذي لا يموت، تهجأ معهم الكلام المحرم، ابتكر لهم أبجدية جديدة، واستنيت في أرضهم ربيعًا مخالفًا، مدلس هذا اللص الغريب، نصاب يرقص على الجراح الكبيرة، يتسيد صدر المنصات، ويلقي محاضرات ليس فيها طهارة، مهرج يستعرض فنون التهريج، دجال في المحافل يتغنى، يكسر الروح مثل زجاج رقيق، متلوٍ، ولا يترك أثرًا من نور، حاوي سرق الفجر، وحباله من مسد، غاوي، وغد للشيطان، نمر من ورق تمرد واستبد، لكن حلم هذا اللص الغريب لن يصمد للأبد، سينحسر مثل موجة، سيصبح بلا سفن، ونوارسه متعبة، وأغصان أشجاره يابسة، سيصبح رديئًا، سيستغيث ولا مغيث ولن يسمعه أحد، وعلى الرغم من النباح والفحيح، سيحفر لحده بنفسه، سيأكله الدود، وتضربه طير أبابيل بحجر، وسيعرف هذا اللص البليد بأن لا حلم غبي يصمد للأبد.