رمضان جريدي العنزي
السادرون في غيّهم لا يتعظون، لكنهم في النهاية يدفعون ثم تعنتهم وتهورهم وجنونهم، الأفاعي لا تستأنس وكذلك العقارب والضباع، لأنها في النهاية ستنقلب ضد المستأنسين لها وتتمرّد، هي لا تميّز بين الغريب والقريب، ولا بين الصاحب والعدو، ولا بين الشوكة والوردة، ولا بين أرض الصبخة وأرض العطاء، ولن يثنيها الترويض والتدليل عن ممارسة هواياتها الشريرة ونزعاتها الغريزية الفطرية، فالذين يشبهون العقارب والثعابين، ولهم صفات ذات المخلب والناب، لا بد أن يلدغوا كالحشرات السمية، ويعضون كتلك الهوام المجنونة حينما تسنح لهم ظروف الزمان والمكان، مما لا ريب فيه أن الذين خانوا بلدهم، ومارسوا عليه العقوق، لهم نفس صفات العقارب والثعابين، ويحملون نفس جينات الهوام، فالذي تربى على الخيانة، وشرب حليبها، وأكل ثريدها، يظل خائناً، ويشتهي عمل الفساد، ويهوى التمرد والعبثية والانقلاب، والخروج عن المألوف، ولن تستقيم له حال، وليس له مآل، ويبقى الاعوجاج هو الخصلة الثابتة في طباعه مهما كبر، ارتموا في حضن الأعداء، ومارسوا معهم الرذيلة والخطيئة، وعملوا الموبقات، احتضنهم الأعداء، وقدّموا لهم التسهيلات والمغريات، وألبسوهم ملابس لا يحلمون بها، وزملوهم بالأحلام الوردية، ودثروهم بالأماني الكبار، عاشوا معهم، شربوا ماءهم، وأكلوا طعامهم، وأشركوهم في نفس الرحلات والجولات، حتى صاروا العين الخفية لهم، والمخبأ السري، والدليل، والطفل المطيع، والأداة الشريرة، والدمية القبيحة، استعانوا بهم الأعداء في معظم أعمالهم التعبوية والتحريضية والتخريبية والدموية، هؤلاء السميون خبثاء اتحدوا مع الأعداء، ودربوهم على الخيانة والتجسس، وشجعوهم على النذالة والتمرد، حتى صاروا أبشع المخلوقات وأردأها، يمارسون نزواتهم الشريرة الغادرة ببلادة، يحاولون أن يدسوا السم في العسل، ثم ينقضوا كالذئاب الكاسرة، وفق أبشع أنواع الاعتداءات الحسية والمادية، والسقوط الأخلاقي في مستنقعات الرذيلة، لقد كرَّس هؤلاء الفكر التدميري، وأبدعوا بتعميق الخلافات، وتصنيع الفتن وتعليبها وتصديرها، وقطعوا أشواطاً كبيرة في نشر الكراهية وإشاعة البغضاء وتغذية الأحقاد، ويحاولون أن يتسلّلوا إلى مضاجعنا بكذبهم الكبير وبهتانهم الشرير، ملغومين بأحقادهم الشخصية، وبأهوائهم الرمادية، وتأويلاتهم المظلمة، وما علم هؤلاء بأن الذي يزرع الخير يحصد الخير، والذي يزرع الشر لا بد أن يحصد الشر، وأن الخانة مصيرها الافتضاح، وأن العقوق مصيره التشرّد في أزقة البلدان البعيدة النائية، والموت على الأرصفة الباردة، هذه هي سنّة الحياة، وعدل الله، أن الذين يتنكرون لوطنهم، ويعينون على الإساءة عليه، ويشحذون همم الأعداء لدكه وحرقه ونسفه وتدميره وتفكيكه، هم أحقر الناس وأشقاهم وأردأهم، لقد تعلمنا أن من يعيش في البحر لا يصادق الحوت، ومن يعيش في النهر لا يصادق التمساح، وعلينا طمر البرك الآسنة حتى لا تصبح مفتوحة للضفادع تنق فيها كيفما تشاء، وتزعجنا بصوتها الرخيص.