د.عبدالله الغذامي
في الأصل كانت كلمة (جميل) تحيل للشحم، ثم تحولت الدلالة لتدل على الوسيم، وسببه أن الجسد المكتنز بالشحم يفيض على منظر الوجه والعضلات ويمنحها بياضا تبعا لبياض ما تحت الجلد ،كما أن الاكتناز الجسدي في قديم الزمن كان دليل نعمة وثراء ، وأصحاب الثراء يظهر ثراؤهم على أجسادهم اكتنازا من جهة ودعة من جهة أخرى ولا تتعرض أجسادهم لحرقة الشمس وتقلبات الأجواء، بينما غيرهم تحترق أجسادهم من العناء ويلتصق اللحم بالعظم فيميل للسمرة. ومن هنا جاء الربط الدلالي بين الشحم والوسامة حتى تحولت كلمة جميل لتدل على الوسيم ، ثم يتراجع معنى الشحم عن كلمة جميل ويختفي عن التداول اللغوي ولن تجد له إحالة إلا في معاجم اللغة ،وليس على اللسان اللغوي .
تذكرت هذا حين لاحظت أحد الموظفين في الجامعة يتحدث مع زميل لنا كان سمينا ثم تخلص من سمنته وتغيرت ملامح جسده من جسد يهز الممرات حين يمر بين الصفوف وكان ضخما في منظره وفي حركته حتى لكأنها تصنع له هيبة مضافة ووجاهة مظهرية ،وحين تراجع وزن كتلته الجسدية صار خفيف المشية رخي الحركة ، وهذا ما دعا أحد الموظفين إلى الانشغال بالسؤال عن زميلنا وعما إذا كان بخير ولا يعاني من وهن جسدي وصحي ، وأشار الموظف إلى صورة الرجل حينما كان مهيبا وضخما تهتز الأرض من تحته ثم تحوله لجسد خفيف وكأن ذلك وضع يستدعي الشفقة، أما أنا كمتفرج على المحادثة فقد وعدت الاثنين أن أكتب عن هذه القصة وطرافتها، ومر أكثر من 30 عاما لأفي بوعدي لهما.