أ. د.عثمان بن صالح العامر
هناك عبادات محضة، الواجب التجرد المطلق فيها لله سبحانه وتعالى، ومتى خالطها ولو شيءٌ يسير من لفت انتباه الآخرين، أو تحصيل حظوظ ذاتية آنية عاجلة فإنه يُخشى على الإنسان الذي هذا حاله أن ينتقل بهذا الصنيع القلبي إلى دائرة الشرك الذي حذرنا منه رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وخاف علينا من الوقوع فيه. أشد من هذا وأخطر حين تتحول بعض أعمالنا التعبّدية المحضة إلى عادة سنوية، أو أنها تأتي في سياق التقليد والمحاكاة لبعضنا البعض، وأظهر ما تكون إبّان شهر رمضان المبارك في أداء مناسك العمرة، التي هي من العبادات التي يجب صرفها لله عز وجل.
# قضية الإخلاص في العمل، والتخلص من حظوظ النفس من أشد التكاليف على الإنسان في هذه الدنيا، سواء أكان العمل تعبدياً محضاً أم حتى عملاً مشتركاً يجمع بين الدنيا والآخرة، كالمسئولية الوظيفية وطلب الرزق الحلال بعيداً عن الإضرار بالآخرين، ولذلك تمتلئ كتب السلف ببيان هذا الأمر والتحذير من غلفة الإنسان عن نفسه، يفعل الخير الظاهر ويظن أنه كسب به ونال أجراً، وهو نتيجة تغيُّرِ باطنه أفسد ما بينه وبين ربه، ولذلك أول من تُسعّر بهم النار - كما في الحديث الذي رواه أبو هريرة رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم - ثلاثة «قارئ القرآن، ومجاهد، ومتصدق». ذلك أن الغاية التي يرجوها المسلم من أفعاله «النية»، هي باختصار المعيار الذي يُقوّم به عمله فيصبح العمل ذا قيمة عالية، أو أنه يفقد قيمته عند الله.
# أعتقد من الضروري أن الإنسان بين حينٍ وآخر يعيد النظر في قلبه، فالقلوب- كما يقول سهل بن عبد الله- «رقيقة تؤثر فيها الخطرات» كثيرة التقلب والتحول في قصودها ونياتها، والسبب في هذا يعود إلى كثرة الواردات والمغريات التي تؤثر في هذه المضغة التي ربط الرسول- عليه الصلاة والسلام- صلاح الجسد بصلاحها، وفساده بفسادها، فهي الملك المتربع بين الحنايا. ولذلك أُثر عن سفيان الثوري رحمه الله قوله: «ما عالجت شيئاً أشد عليَّ من نيتي، إنها تتقلب علي».
# من الأخطاء التي نقع فيها أننا نصدر أحكاماً تعسفية على أعمال قلبية، مع أننا باختصار شديد لا نعلم ما في القلوب التي هي بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء.
ولخطورة الأمر غضب رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وكان يعرف غضبه باحمرار وجهه الشريف لفعل أسامة بن زيد- رضى الله عنه-، ولذات السبب كان يكثر صلى الله عليه وسلم في قسمه من قوله: «لا ومقلب القلوب»، ومن الدعاء المأثور عنه: «يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك». دمتم بخير، وتقبلوا صادق الود والسلام.