أ. د.عثمان بن صالح العامر
تراثنا الإسلامي والعربي ليس فقط عقديًّا وتعبديًّا كما يُظن بنا للأسف الشديد، مع اليقين الكامل والتسليم المطلق بأن العقيدة الإسلامية السلفية الوسطية الصحيحة -كما هو معروف - الركيزة الأساس لسلوك المسلم وضربه في شعاب الحياة المختلفة، وكذا العبادات المشروعة المعروفة، خاصة الصلاة التي هي الزاد الذي يواجه به كل منا التحديات والمصائب والمصاعب والإخفاقات وما أكثرها في هذه الدنيا.
# في تراثنا - مثلاً - كمٌّ هائل من القواعد الاقتصادية المهمة، والتوجيهات السياسية الرائعة، والإرشادات الاجتماعية والإعلامية والعلمية والتعليمية واللغوية والعمرانية والجغرافية و... المؤثرة والمتميزة، وحقها أن ترى النور بقراءة عصرية واعية لاختلاف الزمان والمكان والحال.
# الشيء الذي لا يمكن أن يقبل عقلاً ومنطقاً أن نعيد نشر هذا التراث على ما هو عليه قبل مئات السنين، وكأن باستطاعتنا أن نقول للزمن أن يعود من جديد، وأن تكون حالنا اليوم كما هي في سالف الدهور، وهذا وذاك يتعارضان مع سنن الله في التاريخ.
# الأمر الآخر الذي لا يمكن كذلك، أن نهمل هذا التراث الثرّ ونقف مثل غيرنا على أرضية غربية غريبة في جميع مساراتنا الحياتية، مع أننا ننطلق من عقيدة تختلف عن أيديولوجياتهم البشرية القاصرة، ونعبد الله -عز وجل- على منهج السلف الصالح الذي يتعارض كلية مع حياتهم المادية الصرفة.
# كثيرون يفخرون بالماضي ويفاخرون به، ولكنهم لا يملكون الأدوات العلمية التي تؤهلهم للتعاطي مع الصفحات الصفراء بروح العصر.
# ليس هذا فحسب، بل إن البعض منا يرفض أصلاً القراءة الجديدة لتراثنا المحفوظ الذي هو لا يعدو أن يكون مجرد جهد بشري «لفهم مراد الله وليس هو عين مراد الله».
# أجزم أن هذا التراث الذي وصل إلينا هو في الأساس محاولة جادة مبنية على أساس من العلم الصحيح والإخلاص والمتابعة من قبل علماء مجتهدين أفذاذ لهم حق التقدير والتبجيل والاحترام والدعاء بالرحمة والمغفرة، ولكن ليس لما قالوه - خاصة في مشارب الحياة المختلفة التي أشرت إلى أهمها أعلاه - العصمة والقداسة المطلقة التي تجعله في ظن البعض يتوافق واحتياجات كل جيل، ويتلاءم وحياة الخلف كما هو الأمر حين كان السلف، يستثنى من ذلك ما كان في باب العقائد والعبادات المبنية على دليل قطعيّ الثبوت قطعيّ الدلالة كما هو معلوم، فهي نصوص وأحكام ذات صبغة لا تغيير فيها حتى قيام الساعة.
# إنها مجرد دعوة لتبني مشروع سعودي صرف، هدفه إعادة قراءة التراث العربي والإسلامي قراءة جديدة تقوم على أرضية صحيحة في ظل فشل المشاريع الشخصية التي انطلقت من رؤى ضيقة، وقامت على أسس وأيديولوجيات إما مادية صرفة أو اشتراكية ساذجة أو نزعات طائفية مقيتة أو اتجاهات مذهبية عقيمة أو توجهات سياسية سخيفة أو تحليلات فلسفية فجة لا تخفى، فنحن أحق بتراثنا منهم، دمتم بخير، وإلى لقاء والسلام.