د. أحمد الفراج
يتردد الحديث، منذ فترة غير قصيرة، عن فتور في العلاقات بين المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأمريكية، ويتجاوز بعض من يتحدث بهذا الشأن، خصوصاً فئة القومجيين، والحقوقيين، ومعارضي الفنادق الأوروبية، ليتحدثوا عن إمكانية استبدال التحالف السعودي- الأمريكي بالتحالف مع روسيا أو الصين!! وهو حديث غير واقعي لمن يعرف القليل عن طبيعة العلاقات الدولية، وتحالفاتها المعقدة، وغني عن القول أن أكثر من يروّج لمثل هذه الشائعات هم من يعارضون المملكة، سواءً من أبنائها، أو من فئات مرتزقة، تعيش في المنافي الأوروبية، من شاكلة المناضل، عبدالباري عطوان، الذي قال ذات يوم: «إن دول الخليج ستصبح مشيخات تابعة لإيران»، فعطوان، ومَن هم على شاكلته، مثل تلفون العملة في قارعة الطريق، فهذه الكائنات تتحدث عندما تضع لها نقوداً، ويكون حديثها وتحليلاتها السياسية حسب مزاج من يلقمهم الأصفر الرنان، أو الدولار واليورو.
الأطروحات التي تتحدث عن الفتور في علاقات المملكة بأمريكا تبنى أطروحاتها على ما يكتب في الصحافة الغربية، الأمريكية والبريطانية تحديداً، وهي كتابات ليست رصينة ولا بريئة، فمن المسلَّم به أن لوبيات المصالح لها تأثير قوي على ما يُطرح في الإعلام الدولي، ولا يوجد إعلام محايد، ولعل المتابع يلحظ الفارق بين تصريحات الساسة الأمريكيين، وما يجري على أرض الواقع فعلياً، وبين ما يطرح في وسائل الإعلام الأمريكية والبريطانية، فخلال العامين الماضيين فقط، كان هناك زيارات متبادلة على أعلى المستويات، حيث قام خادم الحرمين الشريفين، الملك سلمان بن عبدالعزيز، بزيارة للولايات المتحدة، وعقد لقاءات مع الرئيس الأمريكي وكبار أركان إدارته، تمخض عنها بيانات تؤكّد على عمق العلاقات بين البلدين، وقبل ذلك، كان سمو وزير الحرس الوطني، الأمير متعب بن عبدالله، قد زار أمريكا، وقابل الرئيس أوباما، ثم عقد محادثات هامة، مع كبار المسؤولين الأمريكيين، وعلى رأسهم وزير الدفاع، وتبع ذلك زيارة سمو ولي العهد وزير الداخلية، الأمير محمد بن نايف، والذي زار أمريكا، يرافقه سمو ولي ولي العهد، الأمير محمد بن سلمان، وتم التأكيد، خلال تلك الزيارة، أيضاً، على عمق العلاقات ومتانتها.
هذه الأيام، يقوم سمو ولي ولي العهد، وزير الدفاع، الأمير محمد بن سلمان، بزيارة للولايات المتحدة، وقد قابل الرئيس الأمريكي، باراك أوباما، وكبار مسؤولي إدارته، وعلى رأسهم وزير الخارجية، ووزير الدفاع، وكذلك قابل رئيس مجلس النواب، الجمهوري بول راين، وهي زيارة جاءت لتؤكّد على تكريس التحالف السياسي والاقتصادي بين البلدين، والقائم منذ أكثر من سبعين عاماً، ومع أن الحديث عن الانفتاح على كل دول العالم أمر مطلوب، إلا أن الحديث عن استبدال الحليف الأمريكي بحلف مع روسيا أو الصين أمر لا يخلو من طرافة، فأمريكا دولة مؤسسات عريقة، وهي الأقوى سياسياً واقتصادياً وعسكرياً، وبالتالي فهي التي تحكم هذا العالم الذي نعيش فيه، وليس صحيحاً ما يردده بعض الثورجية من:» أن المتلحف بأمريكا عريان»، فقد أثبتت الأحداث أن العكس هو الصحيح، والخلاصة، هي أن المملكة وأمريكا حليفان وثيقان، على أرض الواقع، مهما خربش المخربشون في الإعلام غرباً وشرقاً، ومهما تمنى المرجفون، والذين يعبّرون عن أمانيهم بفتور العلاقات بين الحليفين، أكثر من تعبيرهم عن الواقع، وما زيارة سمو ولي ولي العهد، الأمير محمد بن سلمان لأمريكا، هذه الأيام، وما يصاحبها من لقاءات سياسية واقتصادية كبرى، وتوقيع اتفاقيات، إلا دليل على متانة هذه العلاقة التاريخية، وأنعم بها من علاقة!