د. أحمد الفراج
قبل أيام، أقيم حفل تأبيني عالمي للملاكم محمد علي، في مسقط رأسه بمدينة لويفيل، بولاية كنتاكي، وهو الحفل الذي نقلته كل وسائل الإعلام العالمية، بما فيها القنوات اليمينية المتطرفة، مثل قناة فوكس الأمريكية، وقد كان الحفل عبارة عن تجمع لكل أتباع الأديان، إذ شارك فيه وعاظ، ونشطاء مسيحيون، ويهود، وبوذيون، وحتى السكان الأصليين من الهنود الحمر، كانت لهم مشاركة رائعة، وقدم الحفل إمام وواعظ مسلم، وقد استهل الحفل بالقرآن الكريم، وتم تقديم الإسلام كدين محبة وسلام، ولكن كان للمتشددين رأي آخر، فقد عز عليهم أن يتم تقديم الإسلام بهذا الشكل المتسامح، ولذا فقد قرر المسلم الأمريكي من أصل أفغاني، عمر متين، أن يقوم بعملية إرهابية، قتل خلالها خمسين شخصا، وأصيب عدداً أكبر، وتم تصنيف العملية على أنها الأسوأ في أمريكا، منذ أحداث سبتمبر، ولذا فقد عاد الحديث مرة أخرى عن الإرهاب الإسلامي، وساد الذعر في أوساط المسلمين في الغرب، لعلمهم أن ردود الفعل على هذه العملية سترتد عليهم، وعلى أمنهم، ومستقبلهم، وسيستغلها العنصريون، مثل دونالد ترمب، لمواصلة الهجوم على الإسلام، والمسلمين.
لا شيء في حياة الإرهابي، عمر متين، يوحي بأنه شخص متدين، فقد ذكرت زوجته السابقة أنه كان عنيفاً، ما تسبب في طلبها الطلاق منه، كما أشار زملاؤه في العمل إلى أنه كان شخصاً عدائيا ضد السود، واللاتينيين، وليس فقط ضد الشواذ، كما تحدث أحد علماء النفس فقال: «إن موقف عمر متين من الشواذ قد لا يكون من منطلق ديني، بل ربما أنه، أي عمر، لديه مشكلة في تحديد هويته الجنسية، ومن المسلم به في الأوساط العلمية المختصة، أن الشخص الذي لديه تخبط في الهوية الجنسية دائماً ما يكون عنيفاً ضد الفئة التي يغالب نفسه على أن لا يكون جزءاً منها»، وقد ألمحت زوجته السابقة في مقابلتها مع قناة سي إن إن إلى شكوكها حول هويته الجنسية، وهذه تبريرات تحتمل الخطأ والصواب، ولكن المؤكد هو أن عمر اتصل على رقم الطوارئ، قبل تنفيذ العملية، وأكد على أنه يتبع لتنظيم داعش، ولم تؤكد المخابرات الأمريكية، حتى كتابة هذا المقال، حقيقة تجنيده من قبل التنظيم، الذي إن صح، فهو ربما كان انتقاماً من الهجمات التي يقوم بها التحالف الدولي، ضد داعش، في العراق وسوريا.
من الواضح أن تنظيمات الإسلام السياسي، التي تعتبر الأم الرؤوم لكل التنظيمات الإرهابية، تعمل بكل طاقتها على إفساد العلاقات بين الغرب والحكومات العربية، وتحديداً دول الخليج ومصر، لأن هذا هو السبيل الوحيد لهذه التنظيمات لتطرح نفسها بديلاً لتلك الأنظمة، نظراً لارتباطها بالتنظيمات الإرهابية، وقدرتها على التأثير فيها، والسيطرة عليها، وقد رأينا ذلك جلياً، في ثورة مصر الثانية، وأثناء أحداث رابعة، ومع الإقرار بشناعة هذا العمل الإرهابي، الذي نفذه عمر متين، وشجبه، إلا أن سؤالاً لا بد أن يطرح: «لماذا يتحفظ الإعلام الغربي، وتحديداً الأمريكي، على استخدام عبارة (عمل إرهابي) على أحداث مماثلة، قام بها إرهابيون غير مسلمين، مثل النازي النرويجي، اندريه برفيك، الذي قتل قرابة ثمانين شخصاً بدم بارد، وكذلك الأمريكي العنصري الأبيض، ديلان روف، الذي قتل، قبل أقل من عام، تسعة من السود، أثناء تعبدهم في كنيستهم؟!»، وفي تقديري أن هذا سؤال مبرر، أليس كذلك؟!